قد لا تكون سياسة الأرض المحروقة حرفيا، لأن بعض المعنيين بهذا الإفلاس أو التفليس، قدموا قبل فترة، غير طويلة من مناطق في المحيط المغاربي، وتنقلوا مؤقتا إلى ولاية "اللوكة" بالسنغال، لكن جذورهم هنا، والبعد الوطني وطبيعة المصالح، تفرض عليهم في الغالب، التوطن في هذه البلاد السائبة.
فبعد إفلاس الشركة الوطنية لصيانة الطرق "أنير"، ودمج ما بقي منها في شركة "ATTM"، وبعد تفليس شركة "سونيمكس" وتبرئة المعنيين الحقيقيين بجل مشاكلها في مرحلتها الأخيرة، بسبب قرابتهم مع صاحب النفوذ، مقابل توريط مدير فرع "سونيمكس" سابقًا في روصو، المسكين، اعل سالم ولد عبد الله، الذي يقيم باستمرار منذ سنوات، في السجن المركزي بالعاصمة انواكشوط، متحملا حسب ما يبدو من فراهة سياقنا "العدلي"، أوزاه وأوزار غيره، ممن ذهبوا فحسب، بالثمن والمثمون "اكعبهم إصحاح".
أجل، بعد سقوط كل هذه المؤسسات العملاقة، على وجهها مضرجة بالدماء، تخرج علينا مصادر إعلامية شديدة الإطلاع، كاشفة عن أزمة خانقة، تهدد بقاء عملاقنا المعدني "اسنيم"، بل صرح سيد محمد ولد محم، الناطق الرسمي باسم الحكومة، دون لف أو دوران كبير: "اسنيم تعاني مشاكل يجري التغلب عليها".
وقبل أيام أعيد جثمان الشاب سيد عالي ولد علوش رحمه الله، من إسبانيا، بعد انتهاء التحقيق لدى الإسبانيين، الذي أُثبت حسب مصادرنا، أن الموت كان بسبب نوبة قلبية حادة تعرض لها الراحل رحمه الله، ومن الجدير بالذكر أنه كان يعاني من ديون جمة، إثر مضاربات مثيرة، بلغت مليارات الأوقية، كان أهل عبد الله أبرز ضحاياها، بمبلغ مليار أوقية تحديدا، وبعض أولاد أمم، بمبلغ يناهز أيضا مليار أوقية "عقارات معتبرة في انواكشوط"، "كلا الأسرتين من السكان الأصليين لمدينة أطار".
وتأتي هذه الحادثة في سياق عمليات "شبيكو" والسمسرة غير المأمونة، وغير المضبوطة قانونيا، التي ينغمس فيها بعض رجال الأعمال الشباب، المفتقرين أصلا للأصول المالية والمصداقية الكافية، لمثل هذه المعاملات الكبيرة.
وفي المقابل ما زال ولد أمان سجينا بسبب مضاربات أخرى، عبثية الطابع والمنحى، كما أن ديون الشيخ الرضا الضخمة، المستحقة عليه، مازالت تنتظر حلا وتسديدا دون جدوى، وتطرح نقطة استفهام وترقب تستحق التمحيص ومحاولة الحل الجذري المريح من تلك الأزمة الخانقة الخطيرة، قبل فوات الأوان.
في أفق انقلاب 2005 جاء النظام الحالي ووجد أمامه أزمة سياسية خانقة مع الإسلاميين، استطاع التغلب عليها في تلك الفترة، وفي المقابل لم يحذر اليوم من تجديدها والدخول في أتونها مرة أخرى، من خلال التصعيد اللفظي، ولاحقا حل مركز العلماء وجامعة عبد الله ابن ياسين.
وفي المقابل أيضا، وجد نظام 2005، إثر الانقلاب على الرئيس السابق معاوية ولد سيد أحمد ولد الطايع، الاقتصاد المحلي في وضعية مقبولة، و "اسنيم" بوجه خاص، مع 130 مشروع أو أكثر تابعة لمختلف الوزارات، وممولة بعشرات المليارات أو أكثر، أما اليوم فالوضع يستحق التأمل العريض والاعتراف الصريح، على غرار الأسلوب الحكومي الرسمي اليوم، على لسان الناطق الرسمي الموزر للتو، مع المسارعة لإنقاذ ما أمكن، قبل أن تتوقف عربات اقتصادنا الوطني، ضمن أزمة أكثر حدة وانجلاءً، وقبل بوجه خاص، توقف عربات قطار "اسنيم"، لأن ذلك يعني الكثير للموريتانيين جميعا، وموريتانيا مصيرا ومآلا.
تعلم الصغار على الكبار، واحد يتمكن من تهريب حوالي أربع مليارات أوقية، قبل أن تعاجله المنية، رحمه الله، و "كوشنير" آخر متدرب، بعد اكتتاب بأسلوب فج، بقمة الإساءة لسمعة "اسنيم" المهنية، يشرع على نطاق واسع في النهب والتلاعب والمساهمة بالمزيد من تهديد الاستقرار الاقتصادي، الذي يكاد أن يذهب سدى، وقبل ذلك هرب ولد بوعماتو بمليارات الأوقية، في جو غامض مافيوي بامتياز، كما يصر البعض على أن آخر توفي في منطقة حدودية في ظروف غامضة، قد لا يتوقف الاستفسار عنها بسهولة، مع حاجة ذلك الاتهام الضمني، الذي روج له ولد بوعماتو، للأدلة والقرائن الدامغة، وهو ما لا يمنع في المقابل حق الريبة والتشكيك، حزما وحذرا واحتياطا، من تكرر وقائع أخرى مشابهة وخطيرة.
فهل أضحى بلدنا، تحت رحمة مافيا وعصابة، تتدثر بوشيجة النظام وقرابته أو توظيف الصلة الزبونية والسياسية معه، محولة ساحة البلد إلى أرض محروقة، بلا اقتصاد ولا وثيقة دستورية ثابتة ولا معطيات عامة، تستحق معها موريتانيا حالة دولة قائمة الأركان والأوصاف، ولو بالحد الأدنى.
هذا إلى جانب ما تعيشه عاصمتنا بوجه خاص من شيوع الأوساخ وهيمنتها، في كل أطراف المدينة تقريبا، إلى جانب انتشار حمى مزمنة غامضة، ربما تساهم هذه الأوساخ المنتشرة باستمرار، في استيطانها وصعوبة طردها والتغلب عليها نهائيا.
كل هذه الملامح وغيرها في قطاع التعليم والصحة، وبوجه خاص، باب استيراد الأدوية السليمة، يفرض حالة ترقب واستياء، لدى أصحاب الوعي وأبسط مستويات الإدراك، و رغم أوجه المعاناة، يرهقنا ولد محم وولد اجاي، وغيرهم من فريق التزمير، بمختلف صيغ التغطية والتبرير، غير المجدي طبعا.
على وجه العموم، تستدعي هذه الحالة العمومية من الإفلاس الشامل، أو التفليس على الأرجح، تحرك جميع المخلصين، على الصعيد الشعبي والرسمي ، على السواء، لمحاولة رسم خطة جديدة منقذة، بإذن الله.