المقاومة تعني الرفض ،رفض الآخر، أيا كان غازي ، أو دعوي ،أو صاحب ميول توسعية ' أو استعمارية ، وموريتانيا لم تخرج عن هذه الأنواع من المقاومة سواء كانت عسكرية او ثقافية او دينية.
وصول الإستعمار أسس لمرحلة ، مرحلة ما بعد " السيبة " في هذه الربوع الشاسعة ، وكان بداية التحول و الإستقرار وبداية لإرهاصات الدولة المدنية الحديثة ، التي كانت قطيعة ابستمولوجية لمرحلة تمتاز بالفوضوية والحروب وسيادة قانون الغاب " اتهنتيت " .
والأسئلة التي تطرح نفسها في هذا المضمار هي :
ماتى حل الإستعمار إلى موريتانيا؟ وماهو نوع المقاومة ؟وماهي الثغرات التي كانت تكتنفها ؟ وماذا خلف المستعمر ؟ وماهي الأمراض أو الإختلالات التي ورثناها عن المجتمع ولم نتحرر منها من الإستقلال الى هذه الذكرى المجيدة ، الذكرى 58 من عيد الإستقلال؟
أولى الدول التي استعمرت موريتانيا البرتغاليون الذين أسسوا مركزا تجاريا في حوض آركين 1455م وهو الأول من نوعه في افريقيا الغربية لكنهم انسحبوا تحت ضغط السكان المحليين وفي القرن 17م وقعت حروب بين دول أوروبية عرفت بحروب الصمغ العربي انتهت بتثبيت الوجود الفرنسي الذي تغلغل في داخل الوطن من عدة نقاط مائية منها دغانة وادويرة وباكيل في القرن 19م وفي القرن 20 م سيطر الفرنسيون على جميع مناطق البلاد لكنهم واجهوا مقاومة عنيفة أدت إلى مقتل القائد كبولاني 1905 بتجكجة، كبولاني هذا الذي زارنا في منطقة ارتبط اسمها به تسمى زيرت كبولاني 1903 وهي الآن جنوب اركيز .
ولو اتفقنا جدلا عن مدى جدوائية المقاومة الموريتانية فإننا نرى أنها تتميز عن نظيراتها في شبه المنطقة بل والعالم ككل الميزة الفريدة تتمثل في أحد الركنين الأساسيين للإستعمار هما اللغة والدين ، فاللغة استطاع الفرنسيون زرعها وتدريسها، ولكن هل استطاعوا نشر المسيحية في أي قومية من القوميات المختلفة في المجتمع ، بالطبع لا ، وهذه الخاصية هي التي أدت إلى اعتبار الدين جزءا من الهوية الوطنية الجمهورية الإسلامية الموريتانية .
كان ذلك في جانب ، أما إذا تجردنا من العواطف ، والميول الشخصية فإننا نطرح سؤالا آخر هو :
ألا تعتبر المقاومة العسكرية مجرد غارات غير منتظمة لا تختلف كثيرا عن الغارات والحروب التي كانت بعض المجموعات تقوم بها على بعضها ،وبالتالي توغل المستعمر في فترة وجيزة و سيطرته على كافة أرجاء البلاد ألا يدل ذلك الى هشاشة تلك المقاومة و ضعفها ؟
....من المهم عناية رئيس الجمهورية بالمقاومة والقضايا الوطنية ككل ومن المهم تعظيم المقاومة، وتخليد ذكريات الأمجاد ، لكن المقاومة ليست ذكريات، تمر ، وتعود ،كما أنها ليست كرنفالات تقام هنا ، وهناك المقاومة يجب أن تفك الإرتباط العضوي بعدو الأمس ، وصديق اليوم " المستعمر " ، لذلك يجب أن تكون
المقاومة المكرسة للإستقلال ذات دلالة، ويجب أيضا أن تمزج بطابع قومي صرف ، فطالما نرتبط بفرنسا في جميع الماديات ، فإن الإستقلال يفقد معناه الحقيقي ، ويفرض على الكيان الإرتباط بجملة بأغلال من العلائق والقيود السياسية والإقتصادية والثقافية .