الرد على مقال احتفال واختلاف / محمد يسلم بن عبد الله

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أما بعد: فقد قرأت المقال المسمى: (احتفال واختلاف)، والذي حاول كاتبه أن يكون موضوعيا في الطرح، ومتوازنا في الرأي، في مسألة الاختلاف في الاحتفال بالمولد النبوي، كذا زعم، وهو مصدق في زعمه، إلا أنه أثناء الطرح ابتعد عن الموضوعية في الطرح، فتحصلت لدي بعض الملاحظات، والتي أردت أن أنبه إليها، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقني وإياه إلى ما فيه صلاح الدنيا والآخرة، وأن يرزقنا التمسك بالسنة واجتناب البدعة.

  1. الملاحظة الأولى أهم هذه الملاحظات، وهي أنه ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بما يعرف به أكثر من عشر مرات، ولكنه لم يُصلّ عليه ولا مرة واحدة، وإنما اكتفى بوضع صاد مهملة بين قوسين (ص)، ولا أدري ما وجه دلالتها، فإن كان أراد بها اختصارا للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإني أخاف أن يكون ذلك داخلا في حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البخيل الذي من ذكرت عنده، فلم يصل عليّ)، أخرجه الترمذي والنسائي وابن حبان، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح.

وإني لأعجب ممن كتب مئات الكلمات، فما اختصر منها واحدة، ويعجز أن يكتب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وهل يعتبر ذلك من تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم.

  1. لا يكون تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم إلا بما هو مشروع، فكان الأولى بالكاتب أن يبيّن لنا أين استمد المحتفلون بالمولد النبوي مشروعية هذا الاحتفال، حتى يدخل في التعظيم المطلوب في حقه صلى الله عليه وسلم، ومما لا شك فيه أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من التعظيم الواجب، فكيف نتركه إلى تعظيم مختلف في مشروعيته؟
  2. غاية ما وصل إليه الكاتب تشبيه الاحتفال بعيد المولد النبوي بعيد الطفل والمرأة والشجرة، وفي هذه المقارنة تقليل من مقام النبوة بشكل عام، ومن صاحب المقام المحمود صلى الله عليه وسلم، بشكل خاص.
  3. قال الكاتب (ولعل ذلك يرجع إلى أسباب عديدة، منها انتشار الوعي، وتعدد الثقافة، وعولمة الفكر ..الخ) فلا أدري ما مقصود الكاتب من هذا الكلام، أهو إشارة إلى أن السلف الصالح لم يحتفلوا بعيد المولد النبوي لقلة وعيهم وعدم ثقافتهم، أما عولمة الفكر فإنها مما يحتاج إلى البحث في مدلوله، وهل الداعي إليها باحث في الدراسات الإسلامية، أم في عولمة الفكر؟
  4. إن الكاتب جعل العلماء الكبار الذين أفتوا قديما ببدعة الاحتفال بالمولد النبوي، إنما أفتوا جهلا منهم بالثقافة، والعولمة، ولهذا فلا عبرة بما أفتوا به، لأن درجة الفكر في زمانهم منحطة، أما في زماننا، فقد انتشر الوعي، وزال ما قد يشوش على الدين أو يشتبه به، وهذا الفهم من الكاتب غريب، لا أدري من أين استنبطه، ولو قلبنا فهمه لصح، فإنه في هذا الزمان اشتبهت البدعة بالسنة، والتعظيم المطلوب بالتعظيم الممنوع، واختلطت على الناس المفاهيم، فنبذوا فعل الصحابة وفهمهم، وهم أكثر منا فهما للدين، ومعرفة بالنبي صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له، ثم قلدوا أهل البدع والمنكرات، نسأل الله العافية.
  5. استحدث الكاتب مصطلحا جديدا، ثم شرع يشرحه ويفسره فقال: (وما أدراك ما رواسب التدين؟.. إنها أحادية الثقافة، والتعليم المحصور في جهة معينة،  والخوف من كل جديد ..الخ) ومن تأمل هذا التعريف أدرك ما فيه من التحامل على المخالف، وهذا خلاف ما ادعاه الكاتب من التوازن في الرأي والموضوعية في الطرح، فإنك تجد الكاتب يطلق هذا المصطلح (رواسب التدين) على من سماهم من قبل بالعلماء الأجلاء، فأهل زماننا –ويقصد به الكاتب من وافقه الرأي- يتسمون بتعدد الثقافة، أما العلماء الأجلاء المتصفون برواسب التدين، فإنهم يوصفون بأحادية الثقافة، ويكثر في أهل زماننا انتشار الوعي، أما هم فالتعليم عندهم محصور في جهة معينة، لعل الكاتب يقصد بها انحصار مصادر التشريع عندهم في الكتاب والسنة، وفي زماننا عولمة الفكر، أما هم فإنهم جامدون، ولديهم خوف وخشية من كل جديد.
  6. المقال بشكل عام، ألفاظ وأحكام عامة، يدور صاحبها في فلك عولمة الفكر من جهة، ومزاعم الوسطية والمرونة من جهة أخرى، فلم يؤصل حكما، ولا أزال إشكالا، وغاية ما في الأمر أنه يرى من الضروري أن نحتفل بعيد المولد النبوي كما نحتفل بعيد الشجرة والمرأة، وأن هذا مما أنتجته الثقافة القائمة على التعدد والانفتاح، وغريب أمر أهل الأهواء، فإنك إذا طالبت أحدهم باتباع السنة، وأن الاحتفال بالمولد النبوي مما لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن صحابته رضي الله عنهم، ضج وعجّ، وهاج وماج، وطوّل وهوّل، ونازعك في مفهوم السنة والبدعة، وأن ما لم يعمله النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتضي ذلك أنه بدعة، ولا دليل على عدم مشروعيته، ثم ما يفتأ يقلد بعض الناس في الاحتفال بعيد المرأة والشجرة، ويجعل هذا الاحتفال أصلا يقاس عليه، وأن من احتفل بعيد مولده، أو بعيد دنيوي آخر، كان من الأولى أن يحتفل بعيد مولد خير بني آدم، وهذا أصل فاسد، ومغالطة بينة، لا يجوز في عرف أهل المنطق تسميتها بالقياس.

وفي الأخير فأني لا أرى فائدة كبيرة من مناقشة المؤلف في مسائل المرونة والانفتاح في الدين، لما يشوب هذه المصطلحات من غموض، فإن الأولى تصحيح دلالة البدعة والسنة، ثم بعد ذلك يباح لنا الكلام عن مدلول المرونة والانفتاح، والله الموفق للصواب.

 

كتبه محمد يسلم بن عبد الله

15. نوفمبر 2018 - 15:51

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا