هم في الجهتين، المؤيدة للانقلاب، والمناوئة له.. تراهم تعرفهم بسيماهم, لايعرف الخجل إلى وجوههم سبيلا، يتخذون المواقف اليوم، ويناقضونها غدا، يبررون بألسنة حداد ما لايمكن تبريره، يناقشون، يصرخون، يقودون التظاهرات المؤيدة في الصباح، والمناوئة في المساء..
إنهم نخبة مثقفينا وساساتنا المنوط بهم تسيير وتدبير أمور الرعية في هذا البلد المنسي خلف بحر الرمال الملتهبة التهاب الانقلابات العسكرية التي تتوالى علينا تباعا كحبات المسبحة..
***
في مسيرة الدعم والمساندة التي نظمت يوم الخميس الماضي، بدت وجوه بعض هؤلاء وهي تتصدر المسيرة، حاملة الشعارات والصور المكبرة لقائد الحركة الانقلابية، هي نفس الوجوه الصدئة التي عايش أصحابها كل العصور، وتكيفوا مع كل الحقب والأزمنة، كانوا قادة بارزين في الطابور الخامس للجيش الفرنسي في موريتانيا ومن ثم في حزب النهضة، وحزب الشعب، وهياكل التهذيب، والحزب الجمهوري، والمجلس العسكري، وحزب عادل، وأخيرا مجلس الدولة الأعلى.. هؤلاء هم وباء هذا العصر، وهم الفيروس الذي ينخر جسد هذا البلد المنهك..
***
في المسيرة المناوئة للانقلاب في نفس اليوم كانت اللوحة هي نفسها وإن بوجه آخر، حمل المحتجون صور الرئيس السابق ولد الشيخ عبد الله، وأعلنوا تشبثهم بالشرعية الديمقراطية، لكن أحدا من الحاضرين لم يسأل هؤلاء عن السر وراء هذا الموقف الذي ناقضوه يوم الـ03 أغسطس عندما هللوا جميعا للتغيير العسكري الذي أطاح بولد الطائع مع أنه رئيس منتخب ديمقراطيا من الناحية النظرية على الأقل، ولم يسألهم عن هذا التوادد والتراحم المفاجئ فيما بينهم، وفي أي نقطة يتلقون، وهم المتعددو المشارب والرؤى الفكرية والسياسية..
***
ما يجمع الفريقين في جبهة الرفض وطابور التأييد هو التنكر للقيم والثوابت التي يتغونون بها كل صباح.. هو القدرة الخارقة على التلون بكل مساحيق الدنيا والخروج في كل مرة بوجه جديد ورأي جديد وموقف جديد.. وتلك هي الأزمة الحقيقية التي تعيشها أرض السيبة هذه التي نسميها مجازا بالوطن.