المجتمع الموريتاني المنقسم في نفسه / عبدولاي يريل صو

   يبدو المجتمع الموريتاني للوهلة الأولى مجتمعا متماسكا ومندمجا، ولكنّه في حقيقة الأمر يمرّ بحالة من الانقسام الحادّ بين شرائحه ومكوّناته، بشكل واضح وجليّ على كافّة الأصعدة والمستويات وفي شتّى المجالات، داخل المدن الكبرى على الأقلّ. تَسهل ملاحظة ذلك في الحياة اليوميّة وفي المعاملات بين المواطنين في الإدارات والمؤسّسات العموميّة، وفي المواصلات العامّة، إضافة إلى النّشاطات الثّقافيّة والمناسبات الاجتماعيّة والدّينيّة وغيرها. إذ نادرا ما تختلط أو تتزاور الشرائح التي لا تنتمي إلى عرق واحد، صحيح هذا الانقسام موجود في التّجمّعات الرّيفيّة، إلاّ أنّه ظاهر أكثر في الحواضر والمدن الكبرى، إذ لا يوجد ما يجمع مختلف الشّرائح على الإطلاق، وخاصّة بين البيضان والكوار. هذا لا يعني أنّ بقيّة المكوّنات مندمجة أو متماسكة؛ ولكن على الأقلّ يوجد نوع من المجاملة بين بعضها البعض وإن كانت تلك المجاملة لم تصل إلى مستوى الانسجام، إلاّ أنّه يوحي بوجود القبول المتبادل في الظّاهر، حيث يتمّ تبادل الزّيارات في المناسبات الاجتماعيّة والدّينيّة وغيرها.

   عند ما تدخل بعض المؤسّسات التي من المفترض أن تكون نموذجا للتّماسك والانسجام والاندماج المجتمعي مثل مؤسّسات الإعلام العام مثلا، يخيّل إليك أنّك أمام أناس لا يربط بينهم إلاّ أنّ إداراتهم تواجدت لسبب أو لآخر في مبنى واحد ليس إلاّ، وذلك لقلّة الاختلاط والتّعامل بين الموظّفين من مختلف الشّرائح، هذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على فشل تلك المؤسّسات في أداء مهمّتها، إذ كان يُنتظر منها أن تلعب دورا كبيرا في نشر ثقافة الاندماج والتّعامل داخل المجتمع برمّته، ولكنّها لم تحقّق ذلك حتّى بين موظّفيها، ربّما طبقيّة المناصب ساهمت في تعميق ذلك الانقسام بشكل أو بآخر. حيث يختصّ بعض الفئات من المجتمع بالمناصب العالية غالبا في تلك المؤسّسات، وفئات أخرى بالمناصب أقلّ درجة منها، ممّا جعل العلاقة السّائدة بين تلك الفئات هي إصدار الأوامر من الفئات التي تحتلّ المناصب العليا، وتنفيذها من الفئات الأقلّ حظّا، كما أنّ لاختلاف لغات العمل دورا كبيرا في ذلك الانقسام، لكون معيار العمل فيها ليس إجادة لغة العمل، وإنّما الانتماء إلى تلك اللّغة عرقيّا باستثناء اللغة الفرنسيّة طبعا.

   وبالنّسبة للنّشاطات الثّقافيّة فحدّث ولا حرج؛ ليست هناك مشاركة بين شرائح المجتمع، في النّدوات التي ينظّمونها، وخاصّة إذا أخذت طابعا وطنيّا. حضرت بعض النّدوات التي نظّمها مثقّفون من (البيضان)، ولم يحضرها من مثقّفي الكوار إلاّ بعض الأفراد القليلة جدّا، وربّما لعبت اللّغة التي تستعمل في تلك الندوات دورا كبيرا في غيابهم، بحجّة أنّهم لا يفهمون ما يدور في تلك النّدوات، وبالتّالي حضورهم كالعدم، هذا في حال تمّت دعوتهم إليها أصلا. كما حضرت ندوات نظّمها الجانب الآخر التي يستعملون فيها اللّغة الفرنسيّة إذا كانوا متعدّدين، وهذا لا يحدث كثيرا، ولكنّي أيضا سجّلت غياب الآخرين أيضا، كلّ هذا برأيي يرجع إلى عدم الاهتمام بما يقوم به الغير بغضّ النّظر عن أهميّته من غيره. إذا كانت هذه حال المثقّفين، فما بال غيرهم!

   أعتقد أنّ على مؤسّسات الدّولة المعنيّة، وخاصّة وزارة الثّقافة وهي المشرفة على الإعلام أيضا، الانتباه إلى هذه الحالة من التّجاهل المتبادل بين المثقّفين، و وضع خطط استراتيجيّة لرفع الحجاب الموجود بينهم، وكذلك على مؤسّسات التّربويّة والتّعليميّة القيام بدورها كما ينبغي، لخلق إنسان موريتاني مندمج مع الآخر ومتقبّل له، كما أنّ على المجتمع بشتّى فئاته المساهمة في إذابة ذلك الجليد المخيف، ليتسنّى لنا تحقيق وحدة وطنيّة صحيحة، مبنيّة على المواطنة المعتمدة بدورها على القبول والاحترام المتبادل، وترسيخ السّلم الأهلي والمجتمعي، وبناء وطن قويّ يحتوي كلّ أبنائه دون تمييز أوتفضيل مواطن على آخر لأي سبب كان.

 

 

19. نوفمبر 2018 - 8:32

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا