تخليد عيد المولد النبوي ليس بدعة ولا إطراء / محمد المصطفى محمد محمود

 

الحمد لله الذي أثنى على رسوله في جمع أحواله فزكاه في أقواله وأفعاله ، والصلاة والسلام عليه وعلى أزواجه وجميع أصحابه وآله .

أما بعد فإني اطلعت على موقع موريتانيا الآن فقرأت مقال الأستاذ محمد يسلم ولد عبد الله عن إنكاره للاحتفال بالمولد النبوي الشريف .

وعند تأمله وجدت ملاحظات لابد من سوقها وقد تغني عن حشر جميع نصوص الأدلة في المسألة فمنها :

١/أنه حصر الدين في فعل النبي صلى الله عليه وسلم والمعروف في أصول الفقه أن القول أقوى من الفعل والحديث الصحيح فيه ولدت يعني يوم الإثنين

2/ أنه أنكر إنكارا باتا لمسألة لم يسند إلى إنكارها لأي دليل شرعي ، وأتحداه أن يأتي بظاهر حديث بخصوص نفي هذه المسألة لكي يتسنى له إنكار دليلنا ، الذي هو في عين المسألة لا يضرنا بعد ذلك كونها ظاهرا وليس نصا لأنه لم يأت بظاهر واحد.

٣/ أنه لم يكلف نفسه عناء البحث في تاريخ المسألة ولا أول من قام بها ، ليس هذا فحسب بل حرّف التاريخ الموثق فيها كما سياتي ثم استعطف عاطفة الاشمئزاز من أفعال العبيديين لكي يستمرئ القارئ خمول الذهن عن التحقيق وهم ليسوا أول من خلد المولد وإن ركبوا موجته ؛لأن التاريخ شاهد بأن الملك المظفر في إربل في عهد صلاح الدين الأيوبي وصهره على أخته هو أول من خلده وكان صالحا .

ولكي لا نطيل على القارئ ولا نعنت فهم المخالف بفهوم العلماء المتناثرة في الحاوي للسيوطي وغيره سوف نحقق بالاسماء ما يلي :

 

أولا : جاء في البداية والنهاية لابن كثير في الجزء ١٣ في سنة ٦٣٠ ما نصه ((الملك المظفر أبو سعيد كوكبري

ابن زين الدين علي بن تبكتكين أحد الأجواد والسادات الكبراء والملوك الأمجاد، له آثار حسنة وقد عمر الجامع المظفري بسفح قاسيون، وكان قدهم بسياقه الماء إليه من ماء بذيرة فمنعه المعظم من ذلك، واعتل بأنه قد يمر على مقابر المسلمين بالسفوح، وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالا هائلا.

 

وكان مع ذلك شهما شجاعا فاتكا بطلا عاقلا عالما عادلا رحمه الله وأكرم مثواه.

 

وقد صنف الشيخ أبو الخطاب ابن دحية له مجلدا في المولد النبوي سماه: (التنوير في مولد البشير النذير)، فأجازه على ذلك بألف دينار، وقد طالت مدته في الملك في زمان الدولة الصلاحية، وقد كان محاصر عكا وإلى هذه السنة محمود السيرة والسريرة.

 

قال السبط: حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي، وعشرة آلاف دجاجة، ومائة ألف زبدية، وثلاثين ألف صحن حلوى، قال: وكان يحضر عنده في المولد أعيان العلماء والصوفية فيخلع عليهم ويطلق لهم ويعمل للصوفية سماعا من الظهر إلى الفجر، ويرقص بنفسه معهم، وكانت له دار ضيافة للوافدين من أي جهة على أي صفة، وكانت صدقاته في جميع القرب والطاعات على الحرمين وغيرهما، ويتفك من الفرنج في كل سنة خلقا من الأسارى.

 

حتى قيل إن جملة من استفكه من أيديهم ستون ألف أسير، قالت: زوجته ربيعة خاتون بنت أيوب - وكان قد زوجه إياها أخوها صلاح الدين، لما كان معه على عكا - قالت: كان قميصه لا يساوي خمسة دراهم فعاتبته بذلك فقال: لبسي ثوبا بخمسة وأتصدق بالباقي خير من أن البس ثوبا مثمنا وأدع الفقير المسكين، وكان يصرف على المولد في كل سنة ثلاثمائة ألف دينار، وعلى دار الضيافة في كل سنة مائة ألف دينار.

 

وعلى الحرمين والمياه بدرب الحجاز ثلاثين ألف دينار سوى صدقات السر، رحمه الله تعالى، وكانت وفاته بقلعة إربل، وأوصى أن يحمل إلى مكة فلم يتفق فدفن بمشهد علي.))

 

وفي تحقيق ما يتعلق بكتاب الكلبي ونسخته وتاريخها وكاتبها جاء في موقع مجلة الواضحة المغربية ما يلي: 

 

  والنسخة الخطية التي وصلتنا منه وحيدة محفوظة بمكتبة مدرسة الأحمدية بمدينة حلب حسب ما هو مدون في طرة اللوحة الثانية، وحسب ما هو مدون - أيضا - في فهارس هذه المكتبة برقمين:أحدهما عام وهو 293، و ثانيهما خاص، وهو 282، وقد أطلعنا على ذلك د.جمال عزون في مقدمة تحقيقه لكتاب الآيات البينات لابن دحية، وعلى طريق حصوله على نسخة الكتاب وأرقامه الدالة عليه من خلال اطلاعه على هذه الفهارس المكتوبة بخط اليد، وهي في ثمانية مجلدات ضخام مع مجيليد أسود مدونة فيه أسماء الكتب وأرقامها كما وردت في المجلدات المذكورة، وهي المجلدات التي يتوفر عليها قسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.

  وقد ورد –أيضا– في صفحة عنوان كتاب التنوير ما يدل على وجود نسخة مصورة منه بمكتبة الأسد بدمشق. 

  وقد كنت فيما مضى أسترشد في العثور عليه بما ذكره الأستاذ الكبير إبراهيم الأبياري -رحمه الله- وغيره من المشتغلين بابن دحية، إلى جانب فهارس المخطوطات، وخاصة منها الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط في السيرة والمدائح النبوية لمؤسسة آل البيت بالأردن، و تبين لي بعد المراسلات المتكررة لمكتبة برلين والمكتبة الوطنية بباريس أن تلك المعلومات كلها لم تكن دقيقة، وهو الأمر نفسه الذي أكده د جمال عزون الذي اهتدى إلى مكان الكتاب الصحيح، وأمدني بصورة من نسخته مشكورا.

  تقع هذه النسخة في 427 لوحة، مسطرتها 13 سطرا، متوسط كل سطر عشر كلمات، وقد كتبت في عهد المؤلف بمدينة إربل بخط نسخي جيد مليح، ومن الطريف أنها بخط الشاعر أبي المجد أسعد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الإربلي النشابي، وكان قد تولى – وقتئذ– كتابة الإنشاء لملكها مظفر الدين أبي سعيد كُوكُبُوري، وما من شك في أنه كان من جلّة الكتاب المبرّزين، وأعلام الكتابة المميّزين.

  فالنسخة -إذن- تُعدّ من أوائل النسخ التي كُتبت في عهد المؤلف، و هذا مما يرفع من قيمة النسخة و يزيدها نفاسة، بل وجدناها مصححة منقحة مقروءة على المؤلف نفسه، وعليها خطه المعروف لدينا وتصحيحه في أكثر من ستين موضعا، فهي بذلك في حكم النسخة الأم بلا شك.

  ويعلم الله كم غاب عنا من نسخ متقنة بخط العلماء فيما ضاع من كنوز تراثنا أو ما لا يزال مغموراً لا ندري له مكاناً!

  وقد أثبت أبو المجد تاريخ نسخ هذه النسخة واسمه كاملا في آخر الكتاب، فكتب ما نصه: " وفرغ من كتبه أبو المجد بن إبراهيم بن الحسن بن علي الإربلي بمدينة إربل غرة شهر ربيع الآخر سنة خمسٍ وستمائة ".

أقول اتفق لي أن قلت قصيدة مقنعة جدلا في الموضوع وجمعت أسماء من ألف في المولد النبوي الشريف من المذاهب الأربعة والزيدية والشيعة فزادت على الثمانين كلها في موسوعة كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون وإيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون وهدية العارفين أسماء المؤلفين وآثار المصنفين ، وممن ذكروهم 

ابن الجوزي وابن الجزري السخاوي ابن حجر الهيتمي والعسقلاني في فتوى والسيوطي وغيرهم رحمهم الله أجمعين .

وفي الختام نقرر الاحتجاج في سطور :

النبي صلى الله عليه وسلم رحمة بنص القر آن والفرح بالرحمة مأمور به بنص القرآن ((فبذلك فليفرحوا )).

هذا القدر من التعظيم واجب إجماعا مستند الإجماع القرآن ويبقى التعبير عن الفرح بالمولد ذاتا وهو حديث يوم الإثنين 

وحديث إظهار محبته صلى الله عليه وسلم لا يومن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين كما لا يوجد وصف للبدعة لا لغة ولا شرعا 

فالبدعة في اللغة ما لا مثال له سابقا والبدعة الشرعية مأخوذة منها ، فنقول هي  (الإحداث في الدين بما ليس له نص ولا إجماع ولا قياس ولا قاعدة مع اعتقاد القربة فيه )

وإنما عرفناها بذلك لنتمكن من تجريدها من المثال السابق لأن كلا مما ذكر صالح لكونه مثالا معتبرا شرعا فالمستند إلى أي من ذلك ليس بمستند إلى بدعة . والمولد مستند لظاهر الكتاب والسنة والإجماع وأيضا القياس لكقياسه على تخليد الهجرة في زمن عمر رضي الله عنه .

بقي أن نقول إن الصحابة كونهم أفضل منا مسلم ولكن سنتهم دليل على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومتى وجدت فلا يطلب أثر بعد عين 

ومن جديد نطالب بدليل النفي .

وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته وأمته أجمعين وسلم 

20. نوفمبر 2018 - 11:24

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا