تعد عملية إشراك الشباب في دوائر صنع القرار ضرورة ملحة في الوقت الراهن أكثر من أي وقت مضى، بحكم ارتباطها بسيرورة المجتمع وتطوره وحاجته الماسة لاستغلال الكفاءات الأكاديمية، فلا يمكن الإبقاء على هذه الكنوز البشرية والكفاءات الشبابية الكبيرة راكدة دون الإستفادة منها، وتوظيفها التوظيف العقلاني الذي يعود بالفائدة على البلاد وتنميتها، فلماذا لا نقطع هاجس الشك الذي يحمل في طياته إشكالاتٍ تعيق أصحاب القرار في إيجاد الحلول المناسبة والمستعجلة لقضايا الشباب، وفي رسم السياسات الصحيحة التي تُعزز بنية هذه الشريحة وتجعلها مشاركةً ومساهمةً في إنتاجية التنمية في مختلف تجلياتها !! كذا في الشأن السياسي لماذا لا تفتحُ الأحزاب السياسية الفرصة أمام الشباب لضخ دماءٍ جديدة!، خصوصاً أن الساحة السياسية لم تعد تتقبل وجوها سياسية مخلدة لا تمتلك إلاّ حلولاً تخديرية –عفى عليها الزمن- ولم تعط أيّ إضافة منذ استقلال البلاد إلى الآن غير الشعارات الفارغة.
لا يخفى على الجميع المجهود الكبير الذي قام به رئيس اتحادية كرة القدم: أحمد ولد يحيى، في انتشال قطاع كرة القدم الموريتانية وإرجاع موريتانيا لحاضنتها الافريقية الأم.. فمنذ استقلالها وهي التي ستخلد الذكرى 58 لاستقلالها مطلع الأسبوع القادم، ما فتأت ﻣﻮﺭﻳﺘﺎﻧﻴﺎ ﺗﺤﻠﻢ ﺑﺎﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺘﺄﻫﻞ ﻓﻴﻪ منتخبها الوطني لكأس ﺍﻷﻣﻢ ﺍﻷﻓﺮﻳﻘﻴﺔ (ﺍﻟﻜﺎﻥ) وﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺫﻟﻚ ﺗﻌﺎﻗﺐ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﻜﺎﺗﺐ على ﺍﺗﺤﺎﺩية ﻛﺮﺓ ﺍﻟﻘﺪﻡ، ﻭﺟُﻠﺐَ ﻋﺸﺮﺍﺕُ ﺍﻟﻤﺪﺭﺑﻴﻦ ﻭﻣﺌﺎﺕ ﺍﻟﻼﻋﺒﻴﻦ، ﻭﺻُﺮﻓﺖ ﺍﻟﻤﻼﻳﻴﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻤﻠﺔ ﺍﻟﻤﺤﻠﻴﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ كانت ﺩﺍﺋﻤﺎً ﻫﻲ ﺍﻟﺨﻴﺒﺔ ﻭﺍﻟﺤﺰﻥ ﺑﻌﺪ ﻛﻞ ﺗﺼﻔﻴﺎﺕ ﻭﺗﺼﻮﻳﺐ ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻟﻠﺘﺼﻔﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺎﺩﻣﺔ ولسان حال الموريتانيين المهتمين بالشأن الرياضي في البلد يردد بتصرف مع محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق اللعب . .
وما إن انتُـخِبَ المكتب التنفيذي الحالي سنة 2011 تحت قيادة الشاب أحمد ولد يحيى، حتى بدأت أحلام الموريتانيين تتصاعد تدريجياً مع كل سياسة انتداب ينتهجها مكتب الإتحادية .. وهاهي موريتانيا الآن تدخل التاريخ الكُروي من بابه الواسع بتأهل تاريخي، مُودعةً الماضي المرير الذي قطعت العزم أن لا تعود إليه بكفاءات كروية محترفة وهمّة تناطح السحب.
الظاهر في الأمر انطلاقاً من التجارب القيادية الماضية، أن رئيس الإتحادية الموريتانية لكرة القدم أحمد ولد يحيى كان مثالاً لحسن التدبير والتعامل مع العاملين ومهاراتهم وإدارة المؤسسة بشكل فعال ومناسب لتحقيق أهداف الاتحادية، فإدارة الموارد البشرية ليست عملية جامدة بل هي عملية إنسانية واجتماعية بحتة، يحتاجُ من يعمل فيها للقدرة على تنسيق جهود وعطاء العاملين واستخدام كل الإمكانيات والوسائل المادية والفنية المتاحة، ولهذا كان مبدأ: "وضع الشخص المناسب في المكان المناسب" من أهم الركائز التي ترتكز عليها علوم الإدارة.
شأن رئيس اتحادية كرة القدم أحمد ولد يحيى -الذي كان متفانياً في مجاله/ هاوياً له- هون شأن كل شاب موريتاني يطمح بأن ينهض ببلاده في مجال تخصصه وهوايته، شأنُ كل شابٍ موريتاني ينتظر تطبيق المبدأ المذكور آنفا لتحقيق قيمة مضافة لوطنه. فمشاركة الشباب لا يمكن حصرها في المجالات ذات الطابع الشبابي فقط، بل تشمل التنمية في أبعادها المتعددة وتفاصيلها الجمّـة وفي إشراكه في تحقيق أهداف النظام السياسي والأمن الإنساني برمته، باعتباره قاعدة جوهرية للخيار الديمقراطي والتنموي ومؤشرا قوياً لتعزيز الحقوق والواجبات وتكريس المواطنة ومجالاً خصباً لتعلم المسؤولية و كسب الخبرات و التجارب.
من جانب آخر فالواقع السياسي للبلد والتحديات المطروحة له على المستوى السياسي تجعل من الضروري على جميع الشباب الناضج الالتحاق بالعمل الشبابي الذي يسعى لإشراك الشباب بالقيادة وصنع القرار لاكتساب القدرات والحلول القادرة على تدبير الأزمات، كما يفرض الواقع على الشباب اكثر من أي وقت سابق البحث عن ذاته وايجاد من يصغي له ويشركه ويقدم له الضمانات الكافية التي تضمن له أخذ مكانته اللائقة كشريك سياسي واجتماعي وتنموي لا غنى عنه، وأن لا يقبل بأن يكون وقوداً للحملات السياسية ويافطة للمصالح الشخصية الضيقة.
ختاماً واذ أثمن عالياً –بتقييم شخصي- الدور البارز الذي تقومُ به حكومة فخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، في اشراك الشباب في دوائر صنع القرار من حقائب وزارية معتبرة: كوزارة الصناعة البترول ووزارة النقل التجهيز ووزارة الشباب وغيرها... فإن الشباب الموريتاني يطمحٌ إلى توسيع مشاركة الشباب في تسيير الشؤون العامة للأُمة الموريتانية، الشيء الذي تفرضه ظروف موضوعية وديموغرافية (70٪ من إجمالي السكان) خاصة وأن الشباب الموريتاني يعد من الفرص الكبرى للتنمية، إذا تم توظيفها انطلاقاً من عملية إشراك ومشاركة فإنه يؤسس لعوامل إنجاح التنمية ومستقبلها في إطار ترسيخ ثقافة تضامُن الأجيال، التي تمهد المشعل للجيل اللاّحق وتجعله مُنخرطاً في الإسهام في صناعة القرار، ويتعلم في ذات الوقت طرق آليات و ظروف اتخاذ القرار وكيفيته وتوقيته وغيرها بما يؤسس لصناعة نخب شابة قادرة على كسب التحديات محليا، وطنيا وإقليميا ودوليا.
* غالـي ولد العبقـري - طالب دراسات عليا بجامعة تونس المنار، وباحث في مجال المالية.