في مثل هذه الأيّام من السّنة الماضية 2017، كانت أنظار كلّ الموريتانيّين تتّجه صوب ولاية غورغول، وبالتّحديد مدينة كيهيدي عاصمة الولاية، إذ كانت على موعد مع التّاريخ، حيث كانت تستعدّ لاحتفالات الثّامن والعشرين نوفمبر المجيد لأوّل مرّة، و تنظر رفع العَلم الموريتاني بنسخته الجديدة، وكذلك النّشيد الوطني الموريتاني بتأليفه الجديد الرّائع ولأوّل مرّة أيضا. تزيّنت المدينة وشوارعها بكلّ أنواع الزّينة والحُليّ، وفتحت أبواب ديارها لضيوفها الكرام من الموريتانيّين وضيوف الموريتانيّين الأعزّاء، الذين وفدوا إليها لحضور تلك المناسبة الوطنيّة المقدّسة لدى كلّ الموريتانيّين باختلافاتهم السّياسيّة والأيديولوجية، وتنوّعاتهم الثّقافيّة و اللّغويّة، ومستوياتهم الاجتماعيّة والعلميّة المتفاوتة، لِم لا، وهي المناسبة التي استنشقوا فيها هواء الحرّيّة، وامتلكوا قرارهم في أيديهم، وبدأوا يخطّطون مستقبلهم ومستقبل أجيالهم القادمة بأنفسهم، بعد ما كانوا تحت رحمة المستعمر الذي لا يرحم أصلا.
في السّابع والعشرين من نوفمبر خصّص سكّان الولاية استقبالا جماهيريّا حاشدا ومتميّزا لضيفها العظيم، رئيس الجمهوريّة محمّد ولد عبد العزيز، المتحمّس للقائهم كحماسته لتلك الذّكرى السّابعة والخمسين التي اختارها بعناية وعلى بصيرة، لانطلاق موريتانيا الجديدة، موريتانيا المتصالحة مع ماضيها وحاضرها، ومخطِّطة تخطيطا جيّدا لمستقبلها. وكان رئيس الجمهوريّة حريصا كعادته دائما، على التّوقّف في كلّ قريّة أو تجمّع مرّ عليها، ويترجّل من سيّارته محيّيا الجماهير المحتشدة على طول الطّريق من بلدة باغودين Bagodini التي وصلها عن طريق البرّ، مرورا بالقرى Rinjaw، Beelinaaɓe و Pempeƴel، حتّى وسط كيهيدي لاستقباله، وعند مدخل المدينة وجد كلّ الأطر ومنتخبي الولاية في استقباله، كما كان في استقباله هناك أيضا شباب على ظهور الخيل وعلى درّاجات ناريّة، وكانت كلّ بلديّة من بلديّات ولاية غورغول قد أخذت موقعها على أطراف المدينة، واحتلّت البلديّة المركزيّة (بلديّة كيهيدي) وسط المدينة، وما أن وصل رئيس الجمهوريّة وسط المدينة حيث مستشفى كيهيدي الجهوي؛ حتّى ترجّل إلى المطار، ومن المطار إلى مقرّ إقامته في الولاية، كلّ ذلك مشيا على الأقدام.
ورغم كلّ هذا لم تَحظ تلك الاحتفالات بتغطية إعلاميّة مناسبة، لأسباب بعضها معروفة، ترجع إلى كون كلّ القنوات الحرّة متوقّفة حينها، لتأخّر قيامها بإلتزامتها الماليّة، وأخرى غير معروفة، من بينها عدم تغطية قناة الموريتانيّة الرّسميّة تغطية مهنيّة لذلك الحدث الوطنيّ الكبير، واكتفت في تغطيتها فقط برفع العَلم، وخطاب الرّئيس، وجانب من العرض العسكري، وبعض الحضور، وبصورة باهتة لحدّ القتامة، وتجاهلت كلّ ما سوى ذلك. ولكن الأغرب في الأمر؛ أنّها قامت في اليوم التّالي أي 29/11/2017 ببثّ صور تعود إلى احتفالات أطّار ونواذيبو، تزامنا مع برنامج تحليلي هو الآخر لم يكن على المستوى، كأنّ هناك شيئا ما، يُراد إخفاؤه في تلك الاحتفالات!
هذه السّنة 2018، جاء دور مدينة النّعمة عاصمة ولاية الحوض الشّرقي، التي ستكون أوفر حظّا من ناحية التّغطية الإعلاميّة، حيث كلّ القنوات الحرّة شغّالة، ستكون هناك منافسة قويّة بين تلك القنوات في جودة البثّ، وسرعة نقل الخبر، ممّا سيساعد على ظهور الاحتفالات بشكلها الجيّد والحقيقي للمواطن الذي لم يجد فرصة تواجد في النّعمة لحضورها. هذا إضافة إلى وجود رجل جادّ وإداريّ من الطّراز الأوّل، على رأس قناة الموريتانيّة، وهو الأستاذ عبد الله ولد أحمد دامو، الذي رغم تولّيه إدارتها أسابيع قليلة قبل الحدث، إلاّ أنّه لا شكّ ستظهر لمساته في تغطيتها ومهنيّتها، لحرصه الدّائم على النّوعية بدل الكميّة، وهو ما ظهر جليّا خلال إدارته للإذاعة الوطنّية، وفي أقلّ من سنة استطاع بحنكته أن يضفي المهنيّة بشكل أكثر وضوحا ممّا كانت عليه، كما استطاع في تلك الفترة الوجيزة أيضا حلّ كثير من مشكلات الإذاعة الماليّة. فهنيئا للإخوة في الحوض الشّرقي بعيد الاستقلال المجيد، ولنا جميعا.