في سبيل تحصين قرارات الحكومة / يعقوب ولد محمد ولد سيف

شكلت مناسبة عرض الوزير الأول المعين في 29 أكتوبر 2018 لبرنامجه أمام الجمعية الوطنية والتزامه بمسؤولية حكومته عن ذاك البرنامج وفقا لمقتضيات المادتين 74و75 أول فرصة لأعمال مقتضيات المادة 42 بصيغتها الجديدة كما وردت في المادة 7 من القانون الدستوري رقم 2012-015 الصادر بتاريخ 20 مارس 2012.

 كانت المادة 14 من ذلك القانون الدستوري وقتت لدخول بعض مقتضياته، بما فيها المادة 42 (جديدة)، حيز التنفيذ:" بإعلان النتائج النهائية للتجديد الجزئي أو الكلي للغرفتين البرلمانيتين "

ولأن أول تجديد للبرلمان منذ ذلك التعديل تأخر حتى استحقاقات الفاتح 2018 كانت الجلسة العلنية للبرلمان يوم الخميس 22 نوفمبر لتتوج بميلاد أقوى حكومة وأكثرها شرعية منذ إعمال دستور 20 يوليو1991.

 قبل هذه التعديل كانت الحكومة تعكس إرادة الرئيس الذي يعين وزيرها الأول، ووزراءها باقتراح منه. لكن، مع اشتراط حصول البرنامج الحكومي على ثقة البرلمان تصبح الحكومة فوق ذلك مكرسة لإرادة ممثلي الشعب.

 صحيح أن الحكومة التوافقية التي نتجت عن اتفاق دكار في الرابع من يونيو2008 طرح وزيرها الأول مسألة الثقة في حكومته على البرلمان الذي أكد لها تلك الثقة، لكن ذلك حدث في فترة تنكيس للشرعية عموما.

خلط الوزير الأول المعين في 29 أكتوبر بين أمرين منفصلين حين صرح في استعراضه أمام الجمعية الوطنية:" السيد الرئيس، السيدات والسادة النواب، بناءً على المادتين 42 (جديدة) و73 من الدستور، يشرفني أن أستعرض أمام جمعيتكم الموقرة برنامج الحكومة للفترة المقبلة بالإضافة إلى تقرير عن حصيلتها خلال الفترة المنصرمة ". ثم في نهاية الاستعراض:" كما أتشرف بأن ألتزم، طبقا للدستور، بمسؤولية الحكومة عن هذا البرنامج الذي رصدت الموارد المناسبة لتمويل النشاطات المبرمجة منه في السنة المقبلة ضمن مشروع قانون المالية الأصلي لسنة 2019 والمعروض على جمعيتكم الموقرة للمصادقة عليه". فخلط بذلك بين:

- ما تنص عليه المادة 73 من تقديم   تقرير عن نشاط الحكومة للسنة المنصرمة واستعراض الخطوط العريضة لبرنامجه السياسي للسنة المقبلة

- ومقتضيات المادة 42 المتعلقة بوجوب حصول حكومته على ثقة الجمعية الوطنية.

ومع ذلك حصل المهم وهو تعريض مسؤولية السياسية للحكومة بشكل صريح في سبيل الحصول على الثقة وفى الأجل القانوني لذلك.

الخلط الأكبر والأكثر ضررا نجم عن تعاطى الجمعية الوطنية مع إثارة الوزير الأول لمسؤولية الحكومة عن برنامجه للحصول على ثقة البرلمان.

أعطى رئيس الجمعية الثقة للحكومة، وأسس الرئيس ذلك على مقتضيات المادة 135 من النظام الداخلي للجمعية الوطنية. المادة التي تناولت مسألة الثقة على نحو يخالف أحيانا ما جاء في المادتين 74 و75 من الدستور، حيث تصور النظام الداخلي إثارة الوزير الأول للمسؤولية السياسية للحكومة بمناسبتين:

الأولى: ("حول برنامج الحكومة " أو" حول إعلان السياسة العامة الذي يقدمه الوزير الأول")، ولئن كانت إثارة "المسؤولية السياسية حول برنامج الحكومة" وردت في الدستور فإن "إعلان السياسة العامة" ليس المرادف لعبارة "بيان سياسي عام " التي وردت في الفقرة الثانية من المادة 74، وما ينبغي لها ذلك؛ فلا الترادف يجمعهما، ولا المنطق يسمح بتصور أن يعمد الوزير الأول بمناسبة تقديم مجرد تقرير روتيني للجمعية الوطنية عن نشاط الحكومة للسنة المنصرمة لإثارة مسألة الثقة. فماذا يحقق بحصولها؟ علما أن تعريض المسؤولية السياسية للحكومة بطرح مسألة الثقة تتوخى الحكومة من ورائه أمرا محددا!

الثانية: بمناسبة إثارة الوزير الأول لمسؤولية الحكومة حول التصويت على نص تجرى مناقشته، حيث يعلق النقاش طيلة 24 ساعة إذا لم يقدم خلالها ملتمس رقابة اعتبر النص في حكم المصادق عليه.

يظهر التعارض الصارخ بين المادة 135من نظام الجمعية الداخلي ومقتضيات المادتين 74و75 من الدستور حين تنص تلك المادة على أنه:"...يعتبر البرنامج أو إعلان السياسة العامة مصادقا عليه مالم يتم التصويت بالأغلبية (المطلقة)! من النواب المشكلين للجمعية الوطنية على ملتمس رقابة مقدم من طرف نائب أو مجموعة من النواب "؛ فتجعل هذه المادة بذلك مسألة الثقة وملتمس الرقابة إجراءا واحد يحسم حالتي تعريض المسؤولية السياسية للحكومة وبطريقة واحدة هي التصويت على ملتمس الرقابة. في حين بوب الدستور على مسألة الثقة التي تحسم عن طريق تصويت مناوئ لمنح الثقة حالة طرح برنامج أو بيان سياسي، وملتمس الرقابة الذي تحسب فيه الأصوات المؤيدة للملتمس إذا تعلق الأمر بطعن البرلمان في مسؤولية الحكومة أو للحيلولة دون تمريرها لقانون دون عرضه على التصويت.

المفارقة الأكبر هي أنه حتى بالرجوع للمادة 135 التي أسس عليها منح الثقة للحكومة، نجد أن غياب تقديم الملتمس خلال 24 ساعة جاء بمناسبة الحديث عن طرح مسؤولية الحكومة حول التصويت على نص تجرى مناقشته (الفقرتين 3و 4) وهي حالة غير حالة البرنامج أو الإعلان السياسي محل العرض.

التعارض سيد الموقف حتى داخل جسم الدستور؛ فبالنسبة للمادتين 74و75 يعد استخدام مسؤولية الحكومة حول برنامج أو بيان سياسي عام مسألة اختيارية، في حين أن الالتزام بمسؤولية الحكومة عن برنامج وزير أول معين غدا ملزما في ظل المادة 42 جديدة.

في جميع الأحوال لا يصح إلا الصحيح، ولأن الوزير الأول المعين قام بما ألزمه الدستور، فإن الجمعية الوطنية مطالبة بإجراء التصويت على الثقة في الحكومة، وهي مسألة محسومة سياسيا، لأن الأصوات المناوئة لن تفوق أصوات المعارضة في كل الأحوال.

خلاف ذلك سيجعل كلما يصدر عن هذه الحكومة يفتقر في فقرة عرض الاعتبارات أو التأشيرات أو الحيثيات التي تتصدر وثائقها الرسمية لمصدر أصبحت تتأسس عليه شرعية الحكومة، حيثية أو اعتبار أو تأشيرة يجب أن تظهر من الآن فصاعدا بعد ذكر المرسوم المعين للوزير الأول ولأعضاء حكومته؛ إنها تأريخ حصول الحكومة على ثقة البرلمان.

الوزير الأول المعين بعد دخول المادة 42 حيز التنفيذ هو في الواقع وزير مكلف، مباشرته الفعلية لمهامه مرهونة بالحصول على ثقة البرلمان.

حين يشترط الدستور حصول حكومة معينة على ثقة البرلمان يعنى ذلك غياب أي أثر قانوني لتصرفاتها مالم تنل تلك الثقة.

على ذلك سار الدستور اللبناني الذي اشترط في مادته (64 /ف2) على الحكومة:" ...أن تتقدم من مجلس النواب ببيانها الوزاري لنيل الثقة في مهلة ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها ولا تمارس الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة ولا بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال ..." وعلى ذلك يجب أن يكون الحال في موريتانيا منذ أن أصبحت ثقة البرلمان شرطا لمباشرة الحكومات المعينة لمهامها.

فصاعدا دورة حياة الوزير الأول في موريتانيا انضافت لها مرحلة تفصل بين التعيين والممارسة والاستقالة أو الإقالة؛ إنها مرحلة التكليف الذي يسبق اكتمال الأهلية المرهون بالحصول على ثقة البرلمان وفق مقتضيات الدستور سيد القوانين.

 

 

 

 

30. نوفمبر 2018 - 15:07

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا