تخلد موريتانيا الْيَوْم الذكرى الثامنة و الخمسين للاستقلال الوطني الذى عرفت مراسيمُ تخليده تحسنا و تنوعا لافتا خلال السنوات الأخيرة تمثل أساسا فى لامركزية التخليد دُولَةً بين العواصم الجهوية و تنظيم عروض عسكرية شبيهة شكلا و مغزى بأساليب المناورات العسكرية.
و يمكن تعريف الاستقلال بأنه "حصول أو استعادة دولة ما لكامل سيادتها بعد فترة من الاحتلال القسري من طرف دولة أو مجموعة دول أخرى " و قد يحصل الاستقلال مقاومة و غلابا(الجزائر مثلا) كما قد يتم وهبا و تنازلا من المستعمِرِ(بعض الدول العربية ) و قد ينتج بفضل مقاومة الشعب و مُكَارَمَةِ المستعمِرِ فى آن واحد (العديد من الدول العربية).
و قد حصلت الدول العربية على استقلالها على تفاوت زمني خلال خمسينيات و ستينيات و سبعينيات القرن العشرين منها دولٌ جسدت فى مرحلة ما قطيعة تامة مع المستعمِر و دول ٌ ربطتها به علاقات عادية كعلاقاتها بباقى الدول و دولٌ أخرى قَيّدَتْها "علاقات خاصة"مع المستعمِر.
و إذا كان المفكر الجزائري مالك بن نبي(1905-1973) قد نظّر مع بدايات حركات التحرر و الاستقلال لمفهوم قابلية الاستعمار فإن التساؤل وارد فى أيام العرب المَوَاخِضِ هذه عن قابلية الدول العربية لتثبيت الاستقلال و تحصينه و تأمين البلدان من عودة الاستعمار كليا أو جزئيا و فقدان السيادة أكملها أو بعضها.
و التساؤل السابق حول "قابلية الدول العربية لتحصين الاستقلال" وارد إذا ما استحضرنا أن ثلث الدول العربية فاقد فى يومنا هذا -بعد عقود من جَلاَءِ المستعمِرِ- لجزء من سيادته على
حوزته الترابية بفعل الاحتلال الأجنبي السافر (فلسطين المحتلة) أو التدخل الخارجي المباشر "الغريب"و "القريب" (سبع دول عربية أخرى على الأقل).
و الواقع العربي شديدُ الضبابية يُرجح انضمام دول عربية أخرى إلى مجموعة الدول العربية العاجزة عن "تحصين و تثبيت كامل استقلالها" إذا لم يُغَيِّر العرب ما بأنفسهم تشخيصا عاجلا جريئا لأسباب الأزمة العربية الحالية و وصفا ثاقبا للعلاجات النافعة الناجعة.
و العارفون بأسباب عجز بعض الدول العربية عن تثبيت كامل استقلالها يُرجِعون ذلك إلى أسباب أربعة:
أولا:ظلم النظام العالمي و انحيازه للكيان الصهيوني:من الملاحظ أن بعض الدول العربية التى سعت و وُفِقَتْ فى امتلاك أسباب القوة الاقتصادية و التصنيعية و العسكرية انتهى بها الطموح إلى فقد جزء من سيادتها على حوزتها الترابية و أنصع مثال على ذلك هو احتلال العراق من طرف الولايات المتحدة الأمريكية خلال العقد الماضى بذريعة منعها من امتلاك أسلحة كيمياوية حرام على العرب حلال على إسرائيل!!!؛
ثانيا:تبنى بعض الأنظمة للعنصرية البيولوجية و الطائفية": من المجمع عليه أن أكبر تهديد لانتكاس استقلال الدول العربية هو تبنى بعض الأنظمة السياسية التى حكمت بعض الدول العربية "للعنصرية البيولوجية الطائفية"تفضيلا لعرق مخصوص أو طائفة موصوفة مما أفضى غالبا إلى حروب أهلية رَخّصَتْ للتدخل الأجنبي و الخصم من استقلال و سيادة بعض الدول العربية و الأمثلة واضحة لمن نور الله قلوبهم؛
ثالثا:الاستبداد السياسي : يعتقد أغلب الدارسين أن الاستبداد السياسي الأعمى مسّ بعض الدول العربية طائفٌ منه وهو نوع من الاستبداد يخنق الحريات الفردية و الجماعية و يجسد نموذجا من العلاقة بين الحاكم و المحكوم أقرب إلى "العبودية السياسية" وقد أدى إلى حالات من عدم الاستقرار السياسي الخشن استدعى أحيانا التدخل الأجنبي و الانتقاص من الاستقلال؛
رابعا:الفساد المالي و الأخلاقي: يظهر الاستقراء أن بعض الدول العربية فشلت فى تحصين استقلالها بفعل تغول الفساد المالي و الأخلاقى -واسع أو ضيق الانتشار- مما أدى فى حالات معروفة إلى توترات اجتماعية بررت تدخلا أجنبيا مثلا خصما من استقلال بعض الدول.
و ختامُ القول أن العرب بحاجة الْيَوْم أكثر من أي مرحلة مضت من تاريخهم إلى نحت مصطلح "قابلية تحصين الاستقلال" و تعزيزه من خلال الرباعي التالي:الضغط من أجل رفع ظلم النظام العالمي و الانحياز لإسرائيل ، ترسيخ دولة المواطنة و المواطنة فقط ، ترسيخ ُ الديمقراطية و تطهير البلدان من الاستبداد السياسي و تبنى "الحكامة الأخلاقية الرشيدة".