من الهجوم على بعض الحكام والبلدان ما هو دفاع عنهم، وشفقة عليهم، فحينما يكون الشخص معروفا بممارسة الظلم والفساد وانتهاك المحرمات، فإن كل جهد يحاول منع هذا الشخص من هذه الممارسات، هو في الحقيقة دفاع عنه وشفقة عليه، قبل أن يكون دفاعا عن خصومه أو موالاة لهم.
ومن هنا فإن حبي لبلاد الحرمين، وقربها من قلوب أمة الميار مسلم يجعلها بالنسبة لي كلا لا يتجزأ، فلا يمكن أن نفكر بمنطق "المرضعة" الذي يسوقه البعض لتمرير أجندة سياسية كسيحة.
إن من يدافعون عن الحكام وظلمهم لشعوبهم بشكل بشع كابن سلمان إنما يدفعونهم إلى الخسران الديني والدنيوي، وفي الوقوف في وجوههم ومحاولة منعهم والتأثير عليهم انقاذ لهم ولشعوبهم ونصح لهم وإرشاد وحماية لهم من جرائم أنفسهم، والتي يكون ضحيتها شعوبهم التي تصبر عليهم صبرا جميلا، فلا يكون ذلك سببا في توبتهم وتراجعهم لأنهم يحتقرون هذه الشعوب ولا يعتبرونها مصدرا لخير وذلك من طغيانهم وعماهم وغواية الشيطان لهم.
وانظر إلى البلاغة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم:" انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" قالوا: يا رسول الله! كيف ننصره ظالمًا؟ قال: تحجزه عن الظلم فذلك نصرك إياه".
فالمنطق الشرعي في نصر الظالم معناه: (منعه من الظلم وحجزه عن الظلم) فيا من تدافعون عن بن سلمان لفتات مساعدات، تعطيها هذه الدولة لكافة الدول الفقيرة هذا لا يسوغ التغاضي عن المظالم التي برزت مع صعود هذا الرجل ألم ترو أطفال اليمن وكيف يجري قتل آلاف اليمنين كل شهر إرضاء لغرور ثلة من الحكام الحمقى والمخمورين بطغيانهم وغطرستهم وإجرامهم.
ألم تقرئوا وتشاهدوا اعتراف النيابة السعودية بارتكاب جريمة #خاشقجي البشعة صحفي يتم تقطيعه في قنصلية بلده أو مكان ولجه وهو مطمئن أنه في مأمنه، تقطيعه وهو مخدر هذا المستوى من الجرائم، يتطلب من كل ضمير الوقوف في وجهه.
أما اعتقال المئات من العلماء والكتاب والصحفيين والمثقفين والحقوقيين وأساتذة الجامعات، ذوي الكفاءات العالية، ولمدة سنوات ودون محاكمة! أو محاكمتهم في ظل غياب أبسط الضمانات فهذا لهول الجرائم الأخرى كأنه ليس جريمة!، وكأنه من جنس ما يعتبر شأنا داخليا وهو جرم من أكبر الجرائم لأن الأمة حرمت من عطاء هؤلاء الأفذاذ في مجال تخصصاتهم المختلفة وفي ذلك تعطيل للتنمية وظلم لعشرات الآلاف من طلاب العلم والمستفيدين الراغبين في علوم هؤلاء، وقل الشيء ذاته عن اعتقال أثرياء البلاد وكبار المستثمرين أليس من عوامل انكماش الاستثمار وتعطيل الحقوق فضلا عن إلحاق الأذى بمئات من أسر هؤلاء وذويهم.
إن عملية (الرتز كارلتون) التي تمت، أدت لخسائر كبيرة للاقتصاد البلاد، وحولت مئات الشركات عن الاستثمار في البلاد، لأنها رأت أن ليس ثمة بيئة آمنة للعمل الاستثماري، ووضع البلاد في تناقض يفهمه أهل الأعمال لكنه ينطلي على متسولي الدعم في البلدان الإفريقية غرب القارة، لأن منطقهم هو منطق مصر في عهد السيسي، الشقيق العربي الأكبر، منطق جباية "الرز الخليجي" بأي ثمن ولو أدى ذلك لقتل الآلاف وسجنهم ووضع البلاد على شفير الحرب الأهلية!
أما جريمة التطبيع التي تولت كبرها الرباعية العربية (السعودية/مصر/ الإمارات/ البحرين) فهي المشروع العربي الذي يختفي كجبل الجليد لا يظهر إلا رأسه، وينغمر في دهاليز السرية التامة، إنه تطبيع يتجاوز التطبيع المعهود، إلى تحقيق حلم صهيوني كبير متمثلا في "الشرق أوسطية" التي كتب عنها شيمون بيريز كتابه بنفس العنوان، منتصف الستعينيات، مقدما للعرب آن ذاك بين يدي ما كان يعرف بعملية السلام، عرضا بالتطبيع الشامل: (الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي والثقافي والسياحي).
إنه حلم سيحققه بن سلمان عبر مشروع "أنيوم" السياحي، الذي يتقاطع مع بعض النبوات الصهيونية، للدولة الموعودة، إذ يمتد مشروع نيوم (السعودي/ الإسرائيلي) على أراضي 3 دول عربية هم السعودية ومصر والأردن وتكافئ مساحته مساحة سنغافورة بأكثر من 35 مرة.
هذه المنطقة التي تعتبر امتدادا لإقليم الحجاز، حيث إرث النبوات، هي الموقع الأثري، لــمدين المذكورة في القرآن والتي عاش فيها عدد من أنبياء بني إسرائيل عليهم صلوات الله وسلامه، تتقاطع في هذا المكان سير العديد من الأنبياء موسى بعقوب شعيب.. وهي منطقة حيوية بالتاريخ والأحداث التي أشارت إليها القرآن وحتى التوراة والإنجيل وفي هذه المنطقة وقعت عبادة العجل، وربما يكون المشروع ذاته، سيحاول أن يشكل امتدادا لأطوار هذه الصناعة! في حاضر المنطقة من جديد، عبر آليات وشركات ومشاريع اقتصادية وسياسية جديدة.
إذا مشروع انيوم على علاقة وطيدة بالتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم شح المعلومات الرسمية عنه، ولكن حجم الهجوم على القوى الإسلامية في بلاد الحرمين يفسر جانبا مما يجري الإعداد له مستقبلا، ربما تتضح كل معالم كل ذلك خلال سنوات قليلة قادمة.
وكما قال الرئيس الأمريكي فإن هذه الأسرة تعتبر ذخرا استراتيجيا في هذه البلاد، لولاه لما أمكن لإسرائيل أن تستمر، لذلك فبلاد الحرمين وشعبها ومقدساتها أحب إلينا من شخص من يحكمها، خصوصا إذا كانت الظروف التاريخية قد وصلت به، لمرحلة يرهن فيها نفسه لدور وظيفي صهيوني، يتناقض وجوديا مع الوظيفة التاريخية والاستراتيجية لهذه البلاد التي هي منطلق الإسلام الدين والرسالة التي لا مجد للعرب بدونها لا في القديم ولا في الحديث.
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.