يقوم ولي العهد السعودي في هذه الأيام بزيارة لبلادنا هي الأولى من نوعها بعد زيارة الراحل فيصل بن عبد العزيز رحمة الله عليه في سبعينيات القرن الماضي..
وككل الضيوف فان موريتانيا اعتادت بضيافتها المعتادة وكرمها الأصيل أن تكرم ضيوفها خاصة اذا تعلق الأمر بضيف في مستوى ومكانة ولي العهد محمد بن سلمان..
شكلت هذه الزيارة اختلافا كبيرا بين الموريتانيين فهناك من يعارضها وهناك من يرحب بها..ولكنهم يتفقون جميعا على اكرام الضيف..!!
وبعيدا عن السياسة فان موريتانيا معروفة منذ الأزل بحسن الضيافة واكرام الضيف.. فالكرم متأصل في العقلية البدوية ،فهم يشتهون إكرام ضيوفهم ويخافون العجز عن معاملتهم...
وشعارهم دائما :الجود بالموجود .. عندما ينزل بساحتهم الضيوف.. ومن أديباتهم : الخاطر حتى يغادر.... والخاطر هو الضيف عندما يحل نزيلا على الحي فتبيت نارهم تجتهد له على أحسن القرى..ومن الأشياء المدانة عندهم الازدراء بالضيوف ...
كنت قد كتبت مقالا سابقا أثناء انعقد القمة العربية السابعة العشرون في نواكشوط لزاما علي أن استحضره الآن لأنه يصب في نفس الموضوع بعنوان: القمة العربية في موريتانيا الضيوف أولا..
http://www.aqlame.com/article29521.html
وبحثا عن مصالح موريتانيا، وبعيدا عن لغة العواطف، وما يثار الآن حول اغتيال جمال خاجقجي ومايمثله هذا الحدث بالنسبة للبعض الذي جند كل ماعنده من صحافة لحاجة في نفس يعقوب!!
فإننا نعتبر هذه القضية شئنا سعوديا داخليا والذي يجب أن يحاسبه هم السعوديون أنفسهم..
لقد نصب البعض نفسه كشرطة أخلاق تحاسب قادة العالم،وقد أوغلت في هذا الموضوع الى أن أصبح مملا ومبتذلا...
ليس من الانصاف أن تهتز علاقتنا مع هذا البلد الذي قدَّم لنا الكثير من المساعدات خلال العقود الخمس الماضية..ومازال فتعتبر السعودية أكبر ممول لموريتانيا تليها الامارات العربية المتحدة والكويت..
فالذين يديرون كفة هذه الحملة المسعورة تحت شعار الحريات,والثقافة, والديمقراطية. سرعان مايخذلهم الغرب كما فعل سابقا..
( فالغرب وشعاراته ومبادئه مصالح.ولاشيء غير المصالح..
إن تاريخ الغرب_ منذ أن أصبح هذا المفهوم مفهوما سياسيا استراتجيا يكشف عن حقيقة أساس قوامها: مواقف متغيرة وثابت لا يتغير: إن موقف الغرب من العرب أو من الإسلام أو من الصين أومن أية دولة أخرى في العالم, موقف يتغير دائما, وقد يقفز من النقيض إلى النقيض إذا اقتضى الأمر ذاك,أما الثابت الذي يحكم تحركات الغرب وتغير مواقفه فهو(المصالح) ,ولاشيء غير المصالح فعندما تمس مصالح الغرب أو يكون هناك ما يهددها, تتغير المواقف في الحين
وهكذا,فان الأمر الذي جعل الانجليز والغرب عموما يحاربون مشروع(وحدة عربية),مهما كان شكلها, بعد سنة 1956, هو خوفهم من أن يطال التحرير والتأميم الأرض العربية وثرواتها باسم القومية العربية
وما جعل الأمريكان والغرب عموما ينقلبون على الإسلام مثلا, الذي كانوا يغازلونه, هو قيام بعض الحكومات التي تحكم باسمه وعلى رأسها المملكة العربية السعودية على عهد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز, بقطع النفط عن الغرب نتيجة انحيازه إلى جانب إسرائيل في حرب 1973 وما تلا ذالك من استعادة الثورة الإيرانية, التي قامت باسم الإسلام, ..حق إيران في امتلاك بترولها....
وهو الحق الذي حاول الدكتور مصدق في أوائل الخمسينات استرجاعه,فأطاح به الغرب بواسطة (الشاه), وبتحالف مع زعيم الاتجاه الإسلامي فيها آنذاك آية لله القشانى وشأن الغرب مع الإسلام والعرب والإسلام شأنه مع الصين وغيرها من البلدان فكانت الصين تشكل العدو رقم1 للغرب يوم كانت سياستها تابعة أو منسجمة مع سياسة الاتحاد السوفياتى
وعندما حصلت القطيعة بين بكين وموسكو,تغير موقف الغرب منها, فاعترفت بها الولايات المتحدة ضاربة عرض الحائط صنيعتها التي كانت تحمل اسم (الصين الوطنية), وتحتل مقعدا دائما في مجلس الأمن, المقعد الذي تحول منذ ذالك إلى الصين الشعبية, وعندما انهار الاتحاد السوفياتى,عادت الصين لتكون العدو و(الخطر الأصفر), والسبب هو امتلاكها للقنبلة الذرية وسلوكها سياسة مستقلة ودخولها في مرحلة الإقلاع الإقتصادى الذي قد يجعل منها منافسا حقيقيا لمصالح الغرب الاقتصادية في شرق آسيا
إذا يتبين لنا مما سبق أن الغرب مصالح ولاشيء غير المصالح , وكل حوار معه أو تفكير ضده لا ينطلق من هذه الحقيقة, إنما هو انزلاق وسقوط في شباك الخطاب المغالطى التمويهي السائد في الغرب والهادف إلى صرف الأنظار عن (المصالح) وتوجيهها إلى الانشغال بما يخفيها ويقوم مقامها في تعبئة الرأي العام مثل: الحريات,والثقافة, والديمقراطية..)(1)
وتأسيسا على ماأسلفنا فإننا نرحب بالضيوف الكرام أولا: كعادتنا ونرحب بهم ثانيا: ردا للجميل.
الهوامش
من مقال للمفكر الفيلسوف المغربي الراحل محمد عايد الجابري بتصرف نشر في: (1)
الإسلام اليوم: وهي مجلة دورية تصدر عن ـ ايسسكوـ العدد 19 السنة 1423هاـ2002