قبل ثلاث سنوات بالتحديد ومع فجر الثالث من أغشت 2005 كانت موريتانيا المفعمة بأحاسيس الظلم والقهر قد بدأت تتنفس الصعداء بفعل الفجر الجديد الذي صنعه ومن دون مواربة ضباط الجيش بعد عناء طويل عاشه أحرار كثر جمعتهم المأساة وفرقتهم الرؤى والانتماءات.
فمع الساعات الأولى من فجر الأربعاء "الأبيض" كانت تحركات العسكريين تحت جنح الظلام تلملم أوراق الفجر الوارفة وتصنع المستقبل بعد أن توقفت دورة الحياة بفعل تكلس نظام العقيد ولد الطايع وصفاقة النخبة السياسية التى سايرته في ظلمه وجوره وعجزه عن فهم تغيرات الوضع ،وضعف القوى السياسية المعارضة وإن ظلت روح التحدي قائمة ولو من وراء القضبان.
كنت ومعي رفاق صدق في إحدى مقاطعات العاصمة نواكشوط نتلمس طريقنا بعيدا عن الأهل والدار ،نسابق الزمن لفضح جرائم نظام لم يعد يمر يوم إلا وله بين الناس منقصه ،نستشعر عظم المسؤولية رغم ضعف الأداء وقلة الحيلة ،نتذاكر نعم الله على الناس وكفران الناس بالجميل.
كان أحد الأخوة –وقد تملكه الجزع- يراجعني في الأنباء الواردة من سجن نواكشوط المركزي بعد منتصف الليل عن حالة الشيخ الجليل محمد الحسن ولد الددو وما قاله الأطباء عن خطورة وضعه الصحي ويتسائل من ينقذ الشيخ المريض ؟ وأي مستقبل لموريتانيا وعلمائها يدفنون أحياء؟!
وكان أحد الأخوة المرحين يقطع حديثنا الجاد بأبيات شعر بعيدة عن سياق الزمن الذي نتحرك فيه .
ردته بعد تمام الحلم والنبه إحدى الجواري رهين الشوق والوله
إن امرء سفهته بعد كبرته بنات عشر لمعذور على السفه
ويقول إنها من أورع ما قاله الشاعر العلوي.
كنا نضحك منه تارة ونعجب لأريحيته تارة أخرى ونسال الله لنا وله الثبات ،نحاول التوازن في "الأخبار" رغم صعوبة الجو ونصر على رفع "الراية" حتى ولو تخلى عنها الجميع ونهدف للإصلاح رغم غياب الأفق المقنع،نستذكر أمجاد "شنقيط" ونعجب من تردى واقع الناس اليوم!!
انتهى بنا المطاف إلى النوم على سطح أحد المنازل العزيزة على النفس ولم نكن في أحسن الأحوال نحلم بفجر كالذي عشناه صبيحة ذلك اليوم الجميل.
فمع ساعات الصباح الأولى كانت هواتفنا ترن كعادتها كل يوم لكن هذه المرة لا تحمل نبأ اعتقال إمام مسجد ،أو أستاذ جامعة، أو شاب متحمس انتقد جهرة جور الحاكم أمام المصلين في المسجد،أو معتقل يتعرض للتعذيب، بل تحمل نبأ تحرك آليات عسكرية تابعة للحرس الرئاسي وبعض عناصر الأمن في مناطق حساسة من العاصمة نواكشوط وهو أمر ذو دلالة بالغة خصوصا للمضطهدين.
ومع الظهيرة كانت الفرحة قد اكتملت،أطيح بالرئيس العنيد ،وحل الجيش محله ،والإفراج عن المعتقلين بات واردا بل مؤكدا والبلاد تعيش مرحلة جديدة ،والأهم من ذلك أننا جميعا بتنا قادرين على العودة إلى مرابع غادرناها رغبة ورهبة في عز أزمة كادت تعصف بالبلاد.