موريتانيا والسعودية.. الأواصر الروحية والعلاقات المتميزة / سيد المختار باباه

وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)

وأخيرا وطئت قدما أمير سعودي برتبة ولي عهد أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وهي المرة الأولى التي يزور فيها أمير بوزنه هذه البلاد ذات الأواصر الروحية والعلاقات السياسية المتميزة مع المملكة العربية السعودية، بعد الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز الذي شرف هذه البلاد بزيارته في عهد الرئيس الراحل المختار ولد داداه.

يزور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، العاصمة نواكشوط، وهو ما يمثل نجاحا جديدا للدبلوماسية الموريتانية، بعد النجاحات المتنوعة التي أحرزتها في مجالات أخرى، كالتنظيم الناجح للقمة العربية السابعة والعشرين بعد تدشين مطار نواكشوط الدولي- أم التونسي، والتنظيم الأنجح للقمة الإفريقية الحادية والثلاثين في المعلمة الحضارية الجديدة المركز الدولي للمؤتمرات- المرابطون.

لا غرو إن كانت زيارة ولي العهد محمد بن سلمان من هذا الطراز، فهي زيارة من مسؤول بحجمه من الدولة الإسلامية الأولى في وجدان كل مسلم، زيارة بوزن المكانة التاريخية للحج في وجدان المسلمين عامة والموريتانيين على وجه الخصوص، وقد مثلت رحلات الحج بالنسبة للحضارة الموريتانية عماد أوجها ووهجها، فعبر رحلات الحج جاءت إلى موريتانيا نفائس العلوم وعظائم الكتب، حتى صار المنكب الواقع في أقصى البلاد العربية، بل والإسلامية، قلبًا آخر لهذه البلدان، فلكأن الشناقطة هم الورثاء الشرعيون لأهل المدينة، فمذهبهم مذهب عالم المدينة الذي تضرب الإبل شرقا وغربا ولا يوجد عالم كعالمها، ولقد كان من أعمدة مذهبه عمل أهل المدينة.

إن مكانة ولي العهد السعودي بالنسبة للموريتانيين، هي من مكانة أرض الحجاز لدى الشناقطة، وهي المكانة التي تتسع وتتمدد بتمدد الروضة الشريفة والمشاعر المقدسة، وطيبة والبقيع وكل البقاع التي تبرز معالم سيرته وضاءة منها، وهي المكانة التي لم تضعف يوما في وجدان موريتاني شنقيطي أصيل، من قاعدتهم إلى قمتهم، وفي هذا السياق نذكر زيارة الملك فيصل لنواكشوط في عهد الرئيس المؤسس للدولة والدولة يومها ما تزال فتية للغاية، وإن دلت تلك الزيارة في ذلك الظرف على شيء فإنه الحب العميق لدى الموريتانيين لتلك البلاد ولمن يتولى أمر خدمة الحرمين الشريفين فيها، وعدم نكران ملوكها هي لجميل المحبة.

ربما توترت في مرحلة من المراحل العلاقات بين الرياض ونواكشوط بعد إغلاق المعهد السعودي في نواكشوط، لكنه توتر لا يمكن إلا أن يكون عابرا، والدليل زيارة رئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية للرياض من أجل أداء واجب العزاء في الملك الراحل فهد بن عبد العزيز وهي الزيارة التي لا يمكن أن تنسى حيث تزامنت مع الإطاحة بذلك الرئيس فكانت خاتمة سياسية حسنى بالنسبة له.

وفي عهد الرئيس محمد ولد عبد العزيز، عبرت موريتانيا في كل المناسبات عن وقوفها التام وانحيازها إلى المملكة العربية السعودية، مهما كانت الظروف، وهو ما ما فتئت وزارة الخارجية تؤكده ببيانات واضحة الرؤية محددة البوصلة، خاصة في ظل إدارة السيد إسماعيل ولد الشيخ أحمد لهذه الوزارة، وهو الأوسع اضطلاعا بما تتعرض له المملكة من كيد الأصدقاء والأعداء، بحكم وساطته التي خاضها من أجل حلحلة الأزمة اليمنية كمبعوث خاص من الأمين العام للأمم المتحدة.

عوامل عديدة، يتداخل فيها التاريخي بالسياسي، تتمنع على كل التشويشات ولا تجد في كل القواميس إزاء زيارة سمو الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز ولي عهد ملك المملكة العربية السعودية، لا تجد إلا عبارات الترحيب والفرحة بمقدمه ووجوده بين أحبته، فأهلا وسهلا ومرحبا بالأمير خادم الحرمين الشريفين القادم محمد بن سلمان آل سعود.

3. ديسمبر 2018 - 15:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا