من يستمع للطريقة التى ترفض بها وزارة التهذيب الوطني الحوار مع الأساتذة المضربين لابد أن يشعر " بقلق مضاعف" على التغيير المنتظر من "الحكومة السياسية" فالخطاب هذا منتم بأصالة لاتقبل الشك إلى عهد يفترض أن يكون فى طريقه للتواري ولو تدريجيا على طريقة نهج " التغيير الهادئ" الذي انتخب الرئيس المؤتمن لتحقيقه وحصل على تزكية قوى سياسية معارضة من فترة ما بين الشوطين إلى برزخ ما بين الحكومتين.
موقف الوزارة:
الإضراب حق شرعي، ولكن لاحوار مع المضربين ذلك هو ملخص المؤتمر الصحفي الذى عقدته السيدة وزيرة التهذيب فى أول أيام الاضراب ولايخفي ما بين المقدمة والنتيجة من تناقض لايماثله إلاتناقض "سياسية الحكومة" والطريقة التى تدير بها الإضراب حتى الآن، فكيف يكون الإضراب شرعيا ويكون الحوار مع المضربين جريمة وخطا أحمر؟؟ إنه شيئ من الجمع بين المتناقضين غير مستغرب في الواقع من حكومتنا العتيدة فهي صاحبة أرقام قياسية فى ذلك حيث" آخت" بين رموز الفساد المطبعين ودعاة الإصلاح، وبالتالي فلن يعجزها أن تجمع بين الاعتراف بشرعية الاضراب وتجريم الحوار مع المضربين.
بذرة الديكتاتورية:
لا حوار مع المضربين، ولا تعهدات بتحسين ظروفهم، ولاتشاور جديا معهم حول الإصلاحات الجارية فالسيدة الوزيرة ومعها الحكومة متلبسون – ونرجو أن لا يكون ذلك عن سبق إصرار - بشيء من منطق ما أريكم إلا ما أرى، وتلك هي البذرة الأساس للديكتاتورية التى ينعقد اليوم "إجماع وطني" على أنها كانت أساس المشكل وأن إزاحتها هي أهم المتحقق حتى الآن.
حق الإضراب:
إن الإضراب الذي يخوضه الأساتذة حاليا هو حق طبيعي وردة فعل أكثر طبيعية على الظروف الصعبة التى يعيشها مربو الأجيال، وعكسا لما قالته السيدة الوزير فلا حل إلا فى الحوار، الذى أكد الأساتذة خلال كل خرجاتهم الإعلامية أنهم راغبون فيه ويمتلكون المرونة الكافية لانجاحه، وهو ما يجعل من غير المسؤول التمنع عنه واللجوء بدلا منه لأساليب " غير نزيهة" لشق صف الأساتذة.
واقع القطاع:
لقد شهد قطاع التعليم خلال السنة الجارية حركية ايجابية يعترف أغلب أطراف العملية التربوية أنها كانت خطوات مهمة فى الاتجاه الصحيح، وهو مقبل خلال فترة وجيزة على أيام وطنية للتشاور تحتاج جوا ايجابيا يمكن من وضع تصور وطني لإصلاح المضغة التى إن صلحت صلح المجتمع كله، وإن فسدت – وهي غارقة فى الفساد منذ أمد- فسد المجتمع كله، وهذا ما يتطلب من الحكومة السياسية أن تكف عن الركون للمنطق الأمني، وتعيد الاعتبار للمنطق السياسي فتقبل الجلوس على طاولة المفاوضات بدل محاولات جر القبائل والجهات والمجموعات والأحزاب بالوسائل غير المشروعة، خاصة أن محاولات الجر هذه لايبدو أنها قادرة على" لي أذرع "أساتذة ليس لديهم ما يخسرونه ويجدون فى الطريقة التى تعاملهم بها الوزارة نوعا من الاستخفاف بهم والتعامل معهم بمنطق غير الراشدين.
شرعية المطالب:
إن لدى الدولة الامكانات الكافية لرفع رواتب الأساتذة والمعلمين والجنود ويجب أن تفعل ذلك بغض النظر عن حصول الإضراب من عدمه فهذه هي القطاعات الحيوية التى يقوم عليها أمر البلد فليس من المقبول أن ترغم على البقاء فى البؤس بحجة عدم وجود الوسائل في حين أن ميزانية الدولة مهدورة بين النفقات الأخرى والأعباء الأخرى والنفقات المختلفة والصناديق السوداء والبيضاء والزرقاء والملتقيات والورشات العبثية والزيارات والسهرات.
الموقف المطلوب:
وبكلمة يمثل الإضراب الحالي أول امتحان أمام الحكومة الجديدة وستخرح منه مكرمة أو مهانة، مكرمة إن علبت صفتها السياسية وسنت سنة التعاطي الديمقراطي مع الإضرابات، فلبت مطالب الأساتذة العادلة وشرعت فى مراجعة شاملة لوضع الشغيلة الوطنية، ومهانة إن هي استمرأت السيرة القديمة فى رفض الرضوخ لمطالب المضربين، والبحث عن الشماعات ولف الرؤوس في الرمال ولأن الامتحان ما زال جاريا وبرغم المؤشرات المقلقة على مستويات " الحكومة الممتحنة" فما يزال فى الوقت متسع لتعديل النتيجة... فلننتظر لنرى أي نتيجة ستحصل الحكومة من أول اختبار لها أمام الأساتذة المضربين؟