حول إجراءات إعادة تشكيل المجلس الدستوري / محمد عبد الجليل ولد الشيخ القاضي

توطئة، كما هو الحال في معظم الدول الإفريقية التي خضعت للاستعمار الفرنسي فقد تأثر المشرع الدستوري الموريتاني بشكل كبير بالدساتير الفرنسية وخاصة دستور الجمهورية الخامسة 1958، ومن ذلك اعتماده للرقابة على دستورية القوانين، حيث سار على نفس النمط المعتمد في فرنسا، وتم تجسيد ذلك عبر مختلف الدساتير التي عرفتها موريتانيا بدءا بدستور 1959 مرورا بدستور 1961 وحتى دستور 1991 بمختلف مراجعاته الثلاث، مع الأخذ في الاعتبار عدم اتفاق الدساتير المذكورة على الجهة التي يسند إليها اختصاص الرقابة على دستورية القوانين.

فدستور 1959 أسند مهمة الرقابة لـ " اللجنة الدستورية " في حين أوكل دستور 1961 هذا الاختصاص  لـ " الغرفة الدستورية " بالمحكمة العليا. ومع اعتماد دستور 20 يوليو 1991 لم تعد مهمة الرقابة على دستورية القوانين من اختصاص الغرفة الدستورية، بل تم إنشاء هيئة مستقلة متخصصة هي "المجلس الدستوري". وعهد إليه باختصاص المراقبة على دستورية القوانين، على غرار ما هو معتمد في فرنسا في ظل دستور 1958.

وإذا كانت التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في 2012 على إثر مخرجات حوار 2011  أضافت تغييرات على هيكلة وتشكيلة المجلس الدستوري بزيادة أعضائه ليصبح عددهم تسعة )9( أعضاء بدلا من ستة )6( أعضاء كما كان موجودا في السابق، فإن المراجعة الدستورية الأخيرة ) 2017( أضافت إصلاحات مهمة على طريقة توزيع هؤلاء الأعضاء؛ ليصبح توزيعهم كالآتي :

يعين رئيس الجمهورية خمسة )5( أعضاء أحدهم بناء على اقتراح من زعيم المعارضة الديمقراطية ويعين الوزير الأول عضوا واحدا )1( ويعين رئيس الجمعية الوطنية ثلاثة ) 3( أعضاء، اثنان منهم يقترح أحدهما ثاني حزب معارض من حيث ترتيب الأحزاب المعارضة الأكثر تمثيلا في الجمعية الوطنية، ويقترح الثاني ثالث حزب معارض حسب نفس الترتيب. يعين رئيس الجمهورية رئيس المجلس الدستوري من بين الأعضاء المعينين من طرفه.

وطبقا لمقتضيات المادة 3 من القانون النظامي 013-2018 المحدد لإجراءات إعادة تشكيلة المجلس الدستوري فإن تعيين أعضاء المجلس الجديد يتم وفقا للقواعد التالية :

-يعين رئيس الجمهورية عضوين لمدة 9 سنوات، أحدهما بناء على اقتراح من زعيم مؤسسة المعارضة الديمقراطية ؛ كما يعين أيضا عضوا لمدة ست سنوات وعضوين لمدة ثلاث سنوات؛

_يعين الوزير الأول عضوا واحدا لمدة 9 سنوات ؛

- يعين رئيس الجمعية الوطنية عضوا واحدا لمدة ست ( 6) سنوات؛

- يعين رئيس الجمعية الوطنية عضوا لمدة 6 سنوات، بناء على اقتراح من حزب المعارضة الآتي، حسب الترتيب، في المرتبة الثانية من بين الأحزاب المعارضة الحاصلة على أكبر عدد من النواب في الجمعية الوطنية ؛

- يعين رئيس الجمعية الوطنية عضوا لمدة 3 سنوات بناء على اقتراح من حزب المعارضة الآتي، حسب الترتيب، في المرتبة الثالثة من بين الأحزاب المعارضة الحاصلة على أكبر عدد من النواب في الجمعية الوطنية.

وتطبيقا لأحكام المادة 9 من القانون الدستوري الاستفتائي رقم 022-2017 التي تنص على انه يتم بصفة تلقائية إعادة تشكيلة المجلس الدستوري كليا ( طبقا لأحكام المادة 81 من الدستور) على الأكثر ثلاثة أشهر بعد بداية مهام الجمعية الوطنية المنتخبة في أقرب انتخابات تشريعية، طبقا لذلك بدأ الحديث هذه الأيام عن شروع الأطراف المعنية في نقاش مستفيض لتقديم أسماء الأشخاص المقترحة لعضوية المجلس، في ظل الحديث عن استبعاد إعادة الثقة في المجلس بتشكيلته الحالية، وإن كانت المادة 2 من القانون النظامي، المذكور أعلاه، أشارت إلى أنه يمكن للسلطات المختصة أن تعين من جديد أعضاء المجلس الحالي دون اعتبار للفترة الماضية من انتدابهم.

وقد يثار إشكال حول ما إذا كانت الأحزاب المعارضة متساوية في عدد التمثيل البرلماني فبأي معيار يمكن ترجيح أحقية أحدها بعضوية المجلس الدستوري ؟

لم يتضمن النص الدستوري ولا القانون النظامي 013-2018 المحدد لإجراءات إعادة تشكيلة المجلس الدستوري أي تبويب على هذه الحالة، ولكن بالعودة إلى القانون رقم 019-2008، المعدل، المتضمن نظام المعارضة الديمقراطية نجد المادة 8 (جديدة)  من هذا القانون، في إطار حديثها عن إجراءات تعيين رئيس مجلس الإشراف على مؤسسة المعارضة، الذي يكون من نصيب الحزب المعارض الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في الجمعية الوطنية، تنص على أنه "في حالة تعادل حزبين او أكثر فإن معيار الترجيح المعتمد هو عدد الأصوات المتحصل عليها في اللائحة الوطنية لكل حزب".

ولتماثل الحالتين، يمكن الأخذ بنفس المعيار كمرجح في أحقية الحزب الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في اللائحة الوطنية بعضوية المجلس الدستوري المرتقب تشكيله.

وحري بالإشارة تذكير مختلف الأطراف، المعنية باقتراح وتعيين أعضاء المجلس الدستوري، بأهمية هذا الأخير، باعتباره مؤسسة دستورية تسمو على كافة المؤسسات وقرارتها تتمتع بسلطة الشيء المقضي به وغير قابلة للطعن وملزمة لجميع السلطات..؛ كل ذلك يلقي على عاتقهم مسؤولية جسيمة في اقتراح خيار من خيار الشخصيات المتوفرة على تكوين عال في مجال القانون، وعلى كفاءة قضائية أو فقهية أو إدارية، ومشهود لهم بالتجرد والنزاهة .

 

6. ديسمبر 2018 - 8:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا