بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى وصحبه.
أما بعد فهذا هو الجزء الثالث الذي وعدت بنشره استكمالا لموضوع :"موقف الإسلام من العنصرية الجاهلية".
فأقول مستعيناً بالله :
من أسباب العنصرية:
ضعف الإيمان ورقة الدين .
الانهزام النفسي وضعف الشخصية.
الظلم والسكوت عنه .
الحسد والبغضاء .
الكبر.
الجهل.
حب العاجلة.
الأنانية وضعف الانتماء للوعاء الاجتماعي الجامع.
قلة الدعوة والتفريط فيها.
كيد الأعداء.
جهود دعوتنا المحلية:
تاريخها في معالجة العنصرية :
بذلت دعوتنا الإسلامية المحلية ورجالها الأوفياء جهودا جبارة في محاربة العنصرية ، فدعت- في هذا الصدد – بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلت بالتي هي أحسن، وقدمت في ذلك تضحيات جُلى من عرضها ومالها وحريتها وسمعتها عبر عشرات السنين، وكم وكم تلقى أولئك الأفذاذ من القصص المضحكة المبكية في سبيل ذلك، كقول أحد النافذين مرةً لوفد دعوي بإحدى البيآت :"أتدرون أنكم بهذا الجهد تقطعون رزقي وتحاربوني في مصدر قوتي"؟!
فأنشأت عشرات المعاهد والمدارس والجمعيات الخيرية، وأقامت آلاف الندوات والمحاضرات التي جابت أصقاع الوطن الفسيح، ووصلت إلى كل قرية وصقع فيه ، موصلة خطابها للناس باللغة التي يفهمونها، وبالأساليب التي تسهل وصول مضامين الدعوة إلى قلوبهم وتقويم تصوراتهم.
فعلت كل ذلك انسجاما مع فهمها للدين، وتطبيقا لآياته الكريمة وأحاديثه الشريفة، لا مجاملة لأحد، ولا انتصارا لغير عقيدتها ودينها.
وكان من نتائج هذه الجهود :
مستوى تربوي مناسب تربى عليه أبناؤها، فوالله الذي لا إله غيره إن أحدهم ليسهر اللياليَ ذواتِ العدد حزناً على إصابة بأخ له – لا رابط بينهما إلا الدعوة والتربية على منهج الإسلام النقي – لا يعرف من أي قبيلة هو، ولا لأي جهة ينتمي!
سِلم اجتماعي عام محسوس أيقظت جهودَه وسرّعت بوتيرته أحداثُ 1989 الأليمة، لا أقول في موريتانيا فقط (كما يريد بعض العنصريين التركيز) بل في السنغال وموريتانيا، حيث وحدة الدين ووحدة الشعب ووحدة الجُرم!
ولا أظن أحدا قادرا على دعوى الإسهام في إنشاء ذلك السلم الاجتماعي وسقيه وتثبيته ، والسعي لقطع دابر نفسية الانتقام المتبادل - وما زال - غير الإسلاميين ، وجميعُ مَن عداهم يعرف نفسه ويعرفه الناس (حركات وحكومات).
استغلال حقوقي: فوقفوا مع المظلومين ، وأيقظوا فيهم الكرامة الإنسانية ، ومكنوا لهم في المنابر الإعلامية وساعدوهم في إنشاء وتسيير أوعية العمل الحقوقي المختلفة ، فمنهم من أحسن – بعدئذ – ومنهم من أساء ، والله غالب على أمره.
ولولا جهود الإسلاميين ومواقف رجال الدعوة الإسلامية – وخاصة في الثلاثين عاما الأخيرة - لاحترق المجتمع بالشحناء والبغضاء ، ولجاءت الحرب الأهلية على الأخضر واليابس وقضي على الجميع.
لا دواء للعنصرية بالعنصرية:
هذا وليس من الشرع في شيء، ولا من المنطق العاقل مذهب أبي نواس القائل : "وداوني بالتي كانت هي الداء" الذي نفخ فيه إبليس الجني ونظيره الإنسي عبدُ الله بن أبي بن سلول – رأسُ المنافقين في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو معالجة عنصرية الداعي بدعوى الجاهلية، بعنصرية تقابلها وبالمنطق نفسه، فذلك ما حاربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقف بصرامة وقوة دونه، بل الدواء الناجع هو الاستناد إلى النصوص الشرعية، والأدوية الربانية والنبوية؛ إذ لا مسوغ لأحد الخطابين العنصريين على الآخر.
نابتة جديدة:
وبعد جهود حثيثة لأجيال متعاقبة من الدعاة والمصلحين ، وبعد جني ثمار تلك الجهود المباركة ؛ تربية وسلما ووحدة ، نبتت اليوم نابتة تريد إعادتها جذعة، متوهمة أن انصباب جهودها يساراً - في مقابل العنصرية التقليدية المتجهة يميناً – يسوغ عنصريتها ويعفيها من المسؤولية الشرعية والخلقية ، متناسية أن العنصرية - في جميع الاتجاهات أيا كانت – خطر وظلم وجاهلية ورجعية، ولن ينفعهم اليوم قولهم : (هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار) بل يرد عليهم : (لكل ضعف ولكن لا تعلمون).
وإن على تيار الدعوة الإسلامية المباركة – وهو والحمد لله ما زال في صعود وترق وانتشار - التصديَ لهذه النابتة بالدرجة نفسها التي تصدى بها لمن سبقهم ، بل لو طولب بمواجهتها بجهد أكبر وأعمق لما كان في ذلك من ضير ، باعتبار أن التوجه الجديد ربما كان أخطرَ وأفتك ؛ لما يسوغ به خطابه من المظلومية المشهود بها والنظرة الدونية المشاهدة من قبل العنصريين اليمينيين.
والله الرحمن الرحيم يعصمنا من الفتن، ويثبتنا على الحق، ويوحد كلمتنا على القسط والعدل .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.