وطن أثخنت الجراح جسده من رأسه إلى أخمص قدميه.. وما أكثرها من جراح نازفة!! لا يدري الطبيب المشخِص بأيها يبدأ .. هل يبدأ بتشخيص تلك الجراح المتعلقة بالعبيد وأبنائهم وما يعانونه في آدوابه "بورات" ومثلث الفقر؟ أم يشخص حالة الجراح النازفة للمبعدين وأبنائهم في أكواخهم المنسية بكوركل وكيدماغا؟ أم يذهب بمشرطه إلى أحياء الترحيل في مدينة نواكشوط حيث يعيش الإنسان الفقر المدقع وحيث يجلس في الطوابير مع غبش الفجر وتباشير الصباح أمام "الأمل" انتظارا لحفنة أرز وقطرة زيت..!؟ أم يزور المرضى في المجازر المسماة مستشفيات وما يعانونه من إهمال طبي ؟؟؟؟.
إنه وطن يصعب تعداد ما فيه من آثار الطعنات والجراح، طعنات كثيرة لكن أقواها وأشدها أثرا تلك الطعنة الغادرة في الخصر، والمسددة بخنجر معاوية ودداهي قبل ما يقارب عقدين من الزمن مخلفة جرحا نازفا لا يراد له أن يندمل فكلما أرادت قلوب رحيمة أن يلتئم جاء أخرون فنكأوه من جديد وإلى التقرير الطبي عن ذلك الجرح المفتوح :
المهندس محمدو ولد صلاحي .. بدأ كل شيء ذات مايو عندما عاد الرجل النابغة إلى وطنه بعد أن سهر الأيام والليالي رافضا جنسية أخرى وليته ما فعل.. عاد الرجل إلى حضن وطنه ومرابع صباه، لم يستقبل ـ وهو الحامل لشهادة ربما تكون الوحيدة في جيله ـ بالورود ولا بالتوشيح كلا ، بل استقبله مدير أمن الدولة، نزع منه جواز سفره ليعيش مكتوف الأيدي داخل وطنه عامين قبل أن يسلم إلى الاستخبارات الأمريكية في جريمة تجاوزت كل المواثيق والأعراف الوطنية والدولية، وتسجل "غينيس" في موسوعتها أنه الوحيد الموجود في غونتانامو الذي سلم من قبل بلاده على طبق من ذهب ..
خمس عشرة سنة من "يوميات غونتانامو" قضاها المهندس تحت رحمة الجلادين.. عقد ونصف كم ذرف فيها من الزفرات على سجين الوطن محمدو ولد صلاحي؟ وكم سال من المداد في بلاد الله الواسعة تعاطفا مع رجل لم يرتكب جريمة لا داخل وطنه ولا خارجه؟.. خمس عشرة سنة فقدت العائلة فيها والدة المهندس وشقيقه وعدة أفراد من العائلة..
بعد رحلة الجحيم الطويلة وما صاحبها من تعذيب جسدي ومعنوي عاد الرجل بنفس الطريقة التي خطف بها.. عاد إلى الوطن "بدون" وحالته الصحية تستدعي علاجا عاجلا .. لكن حفدة معاوية ودداهي لا يريدون لذلك الجرح أن يندمل رغم مسامحته التي أعلنها من أول يوم لكل الجلادين والظالمين .. منعوه من حقوقه المدنية كلها، وبعد فترة أعطوه بطاقة تعريف مسبوقة بأذى ومتبوعة بمن ، لكنهم ما زالوا يمنعونه من الجواز .. وكأن هذه الحقوق الطبيعية لكل مواطن منة يمن بها الحاكم على رعيته..
اليوم وبعد كل هذا التقرير الطبي هل ما زال في هذا الوطن ذو مروءة يتدخل لشفاء هذا الجرح؟ هل من صاحب قلب رحيم ينقذ رجلا عاش ما يقارب عقدين من الزمن أكل جسده المرض وهو محتاج لتدخل عاجل حسب الدكاترة الأمريكيين والموريتانيين والألمان؟ يحتاج إلى رفع عاجل .. يحتاج باختصار إلى جواز سفر ينقذ حياته؟ من ينصفه؟ من؟ من ؟
مختار بابتاح / صحفي موريتاني