يعاني الشعب الموريتاني طوال العقود الماضية وخصوصا في مثل هذا اليوم من منتصف العقد قبل الأخير من القرن الماضي الأمرَّين من انتشار الفساد، والوساطة والمحسوبية المسيطرة على الجهاز الإدارى للدولة، ومنها تقنين التعيينات لتصبح عائلية بجدارة، ليتجاوز الأمر العقل، وكل قواعد المنطق وبالتالي تنعكس على المواطن، فيفقد ثقته بالحكومة وبأجهزة الدولة، كما تضعف سيادة القانون والقيم الأخلاقية وتتأخر التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية... وقد تنتشر الجريمة نتيجة لشعور المواطن بالحقد والكراهية لغياب أسس العدالة.
فأنا من "طرف فلان" كلمة سحرية تفتح لك الأبواب
وتسهل لك الصعاب.. فإلى متى!!؟؟
إن مفهوم المحسوبية رغم إختلافه عن مفهوم الواسطة إلا أنهما يشتركان في أن كليهما لا يوجد إلا بوجود سلطة أو نفوذ لتحقيق الأهداف.. والفساد هو الآخر لا يحتاج تعريفا فقد صدعتنا الحكومات المتتالية بمحاربته ببرامج إصلاح لاتتعدى الدراسات النظرية .
تعبر ظاهرة الواسطة أو المحسوبية عن واقع مؤلم وهى أكثر أنواع الفساد شيوعا فى الأوساط الادارية، ويمكن أن تلغي حقا أو تحقق باطلا، ولهذا تعتبر فسادا يعاقب عليه القانون لأنه اعتداء على حق الآخرين وعلى أسس العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص فهي سبب رئيسي لقتل همة المبدعين واخفاء ابداعاتهم، وهذه الظاهرة تعد واحدة من الظواهر التي تنخر في جسد المؤسسات والهيئات والشركات سواء كانت تلك المؤسسات عامة او خاصة وتساهم في زيادة وانتشار فاقدي القدرة على العطاء والانجاز.
لا يختلف إثنان على أن هذه الظاهرة انتشرت لعدة أسباب أهمها ضعف الوازع الديني في المجتمع وضعف القوانين والأنظمة ولكل منهما مظاهره وأمور تترتب عليه فضعف الوازع الديني يؤدي الى الجور والظلم وإلى تقصير الموظفين في عملهم المنوط بهم والتفاخر والتكبر على الناس، وضعف القوانين والأنظمة تسهل للبعض اختراق القانون وتجاوزه .. مما يدفع الشخص الى اللجوء الى الواسطة والمحسوبية والفساد لحل مشاكله.
وختاما، سبب تخلفنا وسبب نكباتنا منحصرة بوضع الشخص الغير المناسب في الوظائف القيادية الأمر الذي لا يمكن السكوت عنه فهو يضر بمصالح العمل الاداري -وهناك الكثير من الأمثلة التي نراها في كل مكان من هذه الأرض الطيبة - لذلك مطلوب وضع قوانين مشددة تتعلق بالسلوك الوظيفي والأخلاقي للعمل بجميع القطاعات العامة والخاصة وتكثيف خطب الجمعة لمكافحة هذه الظاهرة والتعامل معها بإعتبار التيار الديني الأكثر تأثيرا ، بالإضافة إلى تنظيم دورات توعوية وتثقيفية لتسهم في غرس الكثير من المعاني والمبادئ فى المجتمع ككل. فمجتمعنا يستحق الافضل لذلك لابد أن ترفع مؤسساتنا العامة والخاصة شعار البقاء للأفضل والأجدر في الوظائف وتولي المناصب القيادية.