بينا في الحلقة السابقة من هذه السلسلة أن الانقلاب الثالث الذي قام به بنوا مية هو انقلاب اجتماعي وهو مربط الفرس في استنبات ظاهرة الرق من جديد في المجتمع العربي
نتناول في هذه الحلقة هذا الانقلاب الإجتماعي
يمكن أن نقول إن سنة 73للهجرة وضعت حدا فاصلا لمعركة سياسية خطيرة وطويلة وشرسة بدأت بالفتنة الكبرى سنة 34 للهجرة
ففي هذه السنة ( 73) قضى بنوا أمية على حركة عبد الله بن الزبير التي شكلت أخطر تهديد لحكمهم فترسخت سلطتهم القائمة على الحكم الوراثي والملك العضد
حسم بنوا أمية المعركة لصالحهم لكن الثمن الذي دفع العرب المسلمون كان باهظا إذ فقدوا آلاف القتلى وتوزعو ا إلى شيع وطوائف مما أفقدهم لحمة الوحدة والتراحم كما حالت
تلك الحروب والفتن دون كل التوجهات الإصلاحية إذ كيف لأمة توزعت إلى أحزاب وشيع يتعصب كل منها لرموز ه ويسعى لحسم الصراع مع خصمه أن تجد
وقتا لإصلاح شؤون اقتصادها وتحقيق العدالة الاجتماعية بين أفرادها
كان من نتائج هذا الواقع الذي يشبه إلى حد كبير واقع الحرب الأهلية أن انقسم المجتمع العربي الإسلامي إلى أحزاب وطوائف ( الحزب الأموي _ الحزب الزبيري _ الحزب العلوي _ الحزب الخارجي ) وطبعت العصبيات القبلية كل التوجهات السياسية ( قيسية _ يمانية _عراقية _شامية _ حجازية )
وكان الشعر المنبر الإعلامي الوحيد المتاح يومئذ للتعبير عن السجال السياسي بين الفرقاء
لكن ما يهمنا هو عودة تلك المضامين الاجتماعية العنصرية الجاهلية للشعر في هذه الفترة (شعر النقائض ) ممثلة في التراتبية الاجتماعية التي تمكن للفرد باعتبار نسبه ومكانته الاجتماعية وتتجاهل تعاليم الإسلام المبنية على أن فضل أي إنسان على آخر إنما هو بامتثال أوامر الإسلام ومن خلال مضامين شعر هذه الفترة تتضح لنا معالم هذاالانقلاب الإجتماعي الذي أعاد للقبلية ألقهاواستعاد به المتصارعون ذكريات حروبهم في العصر الجاهلي فازدهر الفخر بقيم الجاهلية إلى درجة أنك حين تقرأ لجرير أو الفرزدق أو غيلان وغيرهم من شعراء هذه الفترة لا تجد فرقا بين ما تحيل إليه نصوصهم الشعرية وما تحيل إليه نصوص شعراء العصر الجاهلي من فخر بالأنساب وتشبث بالعصبية القبلية وما تجنح إليه من استعلاء وعنصرية
كل هذه العوامل السياسية التي شكلت تراجعا وتنكرا لتعاليم الإسلامي ومارافقها من مضامين شعرية رجعية هيأت لاستنبات ظاهرة الرق من جديد في مجتمع مازال قريب عهد بالتراتبية الطبقية والممارسات الاسترقاقية ولا بأس باستعراض بعض الأمثلة من شعر هذه الفترة يقول الشاعر جرير بن عطية:
وما تيم لضبة غير عبد
أطاع القود واتبع الجنابا
وما تدري جويزة ما المعالي
وجلهم غير أطرهم العلابا
ومحل الانتقاص الذي يرمي إليه جرير أن جلهم وجويزة عبيد يحلبون الإبل في علاب الجلد
وفي نفس السياق يرى جرير أن من له انتماء إلى العبيد لا يحق له أن يفخر :
أيفخر عبد أمه تغلبية
قد اخضر من أكل الخنانيص نابها
غليظة جلد المنخرين مصنة
على أنف خنزير يشد نقابها
ولأن التمايز في نظر جرير يجب أن يبقى واضحا بين العبد وسيده من خلال مظاهر الاضطهاد التي يجب أن تكون بادية
على العبد يعير جرير تيما بأنهم لخستهم لا فرق بين عبيدهم و أسيادهم :
وإنك لو لقيت عبيد تيم
وتيما قلت أيهم العبيد
ولا يربط بين الإسلام والرق إلا
جهلة الأمة أدعياء الحداثة الذين أخذوا غث الثقافة الغربية وسموا أنفسهم بالعلمانيين تارة وباليساريين تارة أخرى وقصرت هممهم عن الاطلاع على الإسلام فنصبوا أنفسهم دعاة للتنويروتطويرالمجتمع ومن المؤسف له أن هؤلاء هم اليوم من يتصدر المشهد ويحتل الواجهات الإعلامية تحت عناوين لا يستحقونها مثل باحث ومحلل سياسي أو مدير مركز كذا أو ناشط حقوقي وفي الغالب الأعم يكونون جزءا من أجندات إجنبية
كما أن حصاد مجهودهم
منصب في الغالب الأعم حول تحقيق منافع انتهازية ذاتية
يتواصل