من سيستقيل خجلا من واقع الناس؟ / سيد أحمد ولد باب

altفي فلسطين المحتلة والمحاصرة قدم وزير داخلية "حماس" ساعتها السيد هاني القواسمي أروع نموذج للمسؤولية في العالم العربي بل في العالم الإسلامي عموما بعد أسبوعين من التكليف حينما عقده مؤتمره الصحفي الشهير معتذرا لرئيس وزراءه عن الاستقالة مؤكدا استحالة بقائه في منصب لايمكنه منه أداء مهامه بكل أريحة وحزم قائلا إن أخلاقه تفرض عليه التنحي عن منصب غير قادر عليه ،وهو غير قادر على ضبط الأوضاع في القطاع المتفجر.

أما في موريتانيا فيسقط أبناء الوطن مدرجين بالدماء في ساحات الشرف على أيدي جماعات العنف أو تجار المخدرات (بغض النظر عن صحة الروايتين ) ولا نسمع عن وزير دفاع استقال أو رئيس أركان غير أو مسؤول جبهة أحيل للتقاعد أو ضابط مداومة أستفسر عن أسباب الحادث ،أو جثمانا عسكريا سجى بأعلام الوطن ودفن على الثرى الذي طالما وقف عليه صاحبه بشموخ المقاتلين عن وحدة وحوزة الأرض التى خذله حكامها وتنكر له ساستها وخلف على ثراها طفلته اليتيمة من دون كفيل.

وفى موريتانيا أيضا يسقط أبناء الشعب البررة بنيران صديقة في "كنكوصة" و"جكن" والنعمة ويتبجح العسكر باغتيال الطفولة البريئة ثارا لضرائب يدفع طلاب الثانويات إلى إلغائها وانتقاما لتجار أساءت إليهم المظاهرات ودفاعا عن مصالح كبار تعودوا خنق الجياع ، وقمعا لنفوس أبية انتفضت وهى تردد بيت الشاعر العربي القديم:

لحا الله صعلوكا إذا جن ليله مشا في المشاش آلفا كل مجزر
يعد الغنى من عمره كل ليلة أصاب قراها من صديق ميسر

يحدث كل هذا ويسقط كل أولئك ولا نسمع عن مدير مدرسة تعاطف مع الضحايا أو والد تألم لطفولة اغتالتها مسيلات الدموع ورصاص الجند ، أو حكومة أحست بواقع الشعب الذي أنتخب لقيادته أو رئيس رتب على أحاسيسه وتعاطفه كثير عمل أو معارضة تفقدت ميدان شرف أريق على ثراه دماء الأطفال.

وفى موريتانيا تستنزف خيرات البلد وتنهب الأسماك ويتاجر بالحديد ويتم استغلال النفط ويباع الأمل للناس ، وتدمر البيئة بحرا وأرضا وجوا، وتدفع الحكومة بمزيد من العقود المجحفة ويجيز البرلمان دون تحفظ كل قانون يحال إليه طمعا في المزيد من الجلسات ،ولا نسمع عن مدير رفض المتاجرة بثروات البلد أو وال أعترض على الإفراط في استنزاف الثروة، أو وزير تحمس لحماية بيئة بدت نذر الخراب عليها واضحة ، أو نائب أوقف مهزلة أراد صناعها أن يبصم عليها الجميع بالعشرات.

وفى موريتانيا تتساقط المساجد فوق رؤوس المصلين في "نواذيبو" ونواكشوط" و"الطينطان" وتنتهك قدسية البيوت وعامريها ،وتغرق المحاظر في المياه بعد أن غاب راعيها ، وهم المسئولين جمع للنقود وفضائح يندى لها الجبين،فلا نسمع عن عالم أحتج أو داعية أن، أو خطيب مسجد صاح في الجموع أن هبوا لنجدة بيت من بيوت الله أو حاكم تذكر جزاء ذلك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وفى موريتانيا تستباح دماء الآمنين "في ألاك" وتزهق أرواحهم وتسلب نقودهم في وضح النهار ويكتفي وزير الداخلية بتحليل معمق لواقع يعرف الجميع سوءه، أو عرض لما حدث يفتقد في كثير من الأحيان للدقة والمصداقية ، أو نداء للفرنسيين من أجل زيارة موريتانيا البلد المضياف الآمن ودماء أبنائهم لم تجف من فوق ثرى "ألاك" وقاتليهم يمرحون ويسرحون بحرية في عرض البلاد وطولها ... ببساطة لأن الفاعل هو من ينبغي أن يندم ويستقيل من عمله أو يتراجع عن أفعال أثبت الوزير بالبراهين أنها لم تعد تصلح لمعاملة الزائرين.

وفى موريتانيا ينجح السجناء في "الفرار" متنكرين تارة بزى نساء (2006) أو مستغلين ثغرة في السجن (2007) أو بساطة شرطي أرهقه التعب وشغلته روائح الطعام عن سجينه (2008) ، وتخذل حكومة تعهدت للخارج بضبط أمنها، وتحدثت للداخل عن سيطرتها على الوضع ، ويكتفي وزير العدل بقطع راتب قاض مخير بين نقض نصوص القانون أو دفع ثمن أخطاء الآخرين، وتكتفي الحكومة من وراءه بهكذا إجراء كل عام يفر سجين ويقال مسير ويسجن حرسي ويقطع راتب أحد القضاة .

لماذا لا نكون صريحين مع الذات مسؤولين أمام الله والناس ونتحمل ولو لمرة واحدة - كما حمل القضاة – أخطاء الآخرين ونعطى للمسؤولية حقيقتها الاستقالة عند التقصير ،والعقاب عند الإساءة ،والتكريم للمحسن ، لنكون بذلك حقا دولة قانون وعدل ؟.

4. أبريل 2008 - 17:38

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا