العبودية هي ظلم من أبشع أنواع الظلم الذي مارسه الإنسان على أخيه الإنسان عبر التاريخ البشري لكن أغلب أمم الأرض استطاعت التخلص منها كممارسة ومن مخلفاتها كعائق أمام ضحاياها من الحصول على حرية كاملة والعيش بكرامة كباقي أفراد المجتمع .
تعتبر العبودية العقارية من أبشع مظاهر العبودية في البلد
لذا يجب القضاء عليها وذلك بمصادرة الأراضي غير المستغلة من الأسياد وتقسيمها على ضحايا الإستعباد كتعويض رمزي ومعنوي عما تعرضوا له هم و أسلافهم من ظلم و جور وحيف ….على أيدي أسلافنا.
كان مجتمع البيظان ولازال يعتبر العبيد سابقا ولحراطين لاحقا مجرد أداة إنتاج لذا حرموهم من ملكية الأراضي الزراعية في عهد الاستعمار وهذا مفهوم ويمكن تبريره في تلك الفترة لكن منعهم من ملكيتها بعد تأسيس الدولة الحديثة هو الذي لا يمكن فهمه أحرى تبريره و"شمامة" خير مثال على ذلك، إذ تم تهجير سكانها الأصليين من لحراطين نتيجة لغياب أي دعم لهم من طرف الدولة لزراعتها وبالتالي الاستقرار فيها. كما قامت السلطة في بعض الأحيان بمصادرة أراضيهم بالقوة ومنحها لوافدين جدد من أثرياء التجار و عمال المخزن .
مع العلم أن "الأرض لمن أحياها "كان العبيد سابقا ولحراطين لاحقا هم من يزرع الوديان و السهول القاحلة المترامية في أكناف البلد، وكان دور الأسياد من البيظان هو سلب العبيد محاصيلهم الزراعية ساعة بإسم الدين عبر مقولة "مال العبد لسيده"وتارة عبر القانون بدعوى القبائل للملكية العقارية للأراضي .
أعطى المستعمر عقود ملكية الأراضي للقبائل دون العبيد للتعاون معه ولأن ضمان ولاء الأسياد في تلك الفترة كان بالنسبة له أفضل من ولاء العبيد لهذا لم يحارب المستعمر العبودية في هذا المجتمع الموغل في استغلال البشر و ذلك ليترك بابا مفتوحا للتدخل في شؤون البلد في ما بعد ولتكون عائقا أمام تقدم البلد وتطوره واستقراره وهذا ما تغافلت عنه نخب البيظان من الاستقلال وحتى اليوم بل إنها تماهت مع أبناء جلدتها من (المجتمع التقليدي)في تكريس العبودية وتبريرها.
من سمع شهادات ضحايا الاستعباد عن معاناتهم ومعانات أسلافهم سوف يعرف أن أجدادنا رحمة الله عليهم قد اقترفوا في حقهم الكثير والكثير من الظلم والاستغلال وهي بالمناسبة قصص واقعية ليست من فبركة الحركات الحقوقية كما سوف يدعي المرضي والظلاميين من حبسي ثقافة القبيلة والعنصرية والاستغلال والاستبداد والاستعباد وحراس الوهم من تاريخ الأجداد والمتغنين "بأمجاد" القبيلة على لحن الحفاظ على المكانة الزائفة .
يصور للغريب لأول وهلة أن ثقافة البيظان هي ثقافة ملتزمة بحدود الشرع وسمحة بروح الإسلام و منفتحة بحدود فضاء الصحراء وأنها جامعة لأغلب القيم الإنسانية الجميلة وهذا فعلا هو ظاهرها لكن جوهرها شيء مختلف تماما فهي ثقافة الكبر والأنانية و النفاق والكذب والغدر والخيانة والإستغلال ...كل هذا مغلف بعناوين براقة ظاهرها تدين وأخلاق وحياء وزهد وكبرياء وكرم وشهامة …..
أما حقيقتها فهي لي لأعناق النصوص الدينية واستغلال الضعيف وأكل مال اليتيم والغدر بالحليف والوشاية بالصديق والذل والخنوع أمام القوي والسكوت على هتك الأعراض وبيع البنات وسفك الدماء والتنازل عن الكرامة مقابل المال و…..والشواهد من التاريخ القديم الذي كتبه المستعمر عنا كثيرة جدا لذا عرف أهل هذه الأرض على حقيقتهم ولم يعمر فيها أما واقع الدولة الحديثة فهو من يحدثك بنفسه عن جشع وأنانية وفساد هذا المجتمع عبر واقعه البائس .
لحراطين كانوا مازالوا مستعبدين بفعل تهميشنا الممنهج لهم وتميزنا السلبي ضدهم ونهبنا لثروات البلد بالسلطة الفاسدة ووضع العراقيل أمام تقدمهم وتمسكنا بموروثنا الثقافي القبلي الرجعي الاستعلائي العنصري الاستعبادي الإقصائي …...كثافة متداولة داخل القبيلة ومنطق يحكم العلاقة بين القبائل نفسها وبين القبائل وفئات المجتمع الأخرى التي يعتبرها البيظان مواطنين من الدرجة الثانية وهم فعلا كذلك بفعل الإقصاء الممارس ضدهم من طرف سلطة القبائل.
حدثني أحد الثقات من كبار السن من "أهل الساحل" أنه في أربعينات القرن الماضي علم أهل الشمال (أهل الساحل ) بما يسمى السل من بعض الزوار من أهل القبلة أو أهل الشرك حيث لم يكن يعرفوه من قبل وكان الدليل الوحيد لديهم لإدانة الشخص بأنه "سلال " هو أن يكون أحمر العينين فكانوا كلما لا حظوا إحمرار أعين أحد العبيد ذكرا أو أنثى صغيرا أو كبير قاموا بقتله وبطريقة بشعة حيث يقومون بخنقه أو برميه بالحجارة إلى أن يموت حتى أن البعض منهم كان يبخل عليه برصاصة لأن الرصاص كان غاليا لندرته في تلك الفترة "وروح العبد كانت عندهم مثل روح الكلب "! !
تصوروا معي كم من بريء قضى بفعل هذا الجرم الشنيع الذي اقترفه أجدادنا سامحهم الله تخيلوا كيف للإنسان وأن لا تحمر عيناه في تلك الظروف القاسية أرض غفار حارة بالنهار باردة بالليل شجرها قليل ونبتها قصير وماؤها عسير قاحلة مغبرة على مدار العام وشغل العبيد فيها كان هو رعي الإبل والأغنام في النهار وقت الحر والهجير والسهر ليلا من أجل خدمة الأسياد خوفا من الضرب الشديد والعقاب الأليم ...
جالست امرأة من كبار السن من المنطقة الشرقية (أهل الشرك) وهي من الثقات وأهل المكانة في مجتمعها ولاحظت أنها حينما تسمع الجدل الدائر حول قضية العبودية تقوم بالترحم على الأسلاف
و تقول بأنها عايشت مرحلة كان العبيد فيها يعاملون كالحيوانات بل إن الحيوانات تعامل أفضل بكثير من العبيد .
روت لي هذه السيدة مما عايشت في تلك الفترة أن الأمة "الخادم" كانت تلد وحدها في خلاء من الأرض وهي ترعى البهم وتأتي في المساء تتخطف أثر الماشية حاملة إبنها على صدرها ولا أحد يهتم لأمرها بل تقوم بترك رضيعها على فراشها وأحيانا تحت شجرة داخل "لفريك "لتتفرغ لخدمة أسيادها من جلب للحطب وإشعال للنار وهرس للدقيق "الدك" لتحضير العشاء وحلب الأغنام والأبقار.…. وتستمر في هذه الأعمال حتى ينام أسيادها لتذهب بعد ذلك إلى إبنها الحدث لترضعه مادر به ضرعها الجاف بعد يوم شاق من الرعي ونزيف النفاس وتعب الولادة.
عند طلوع نجم الفجر تستيقظ هذه المسكينة لتوقد النار وتقوم بما يلزم من خدمة الأسياد وقبل بزوغ الشمس تحمل ابنها على شاكلتها في رحلة رعي جديدة دون زاد يذكر عدا القليل من الماء الممزوج باللبن (ازريك) إذا كانت محظوظة واسيادها "كرماء" !!!
أما في المنطقة الجنوبية "الكبلة " فقال لي أحد الثقات أنه سمع لمرابط بداه إبن البصيري رحمة الله عليه خلال إحدى الدروس التي كان يقدمها في مسجده بلكصر يقول أن العبد في المنطقة الجنوبية كان يظل يومه يسقي المواشي على البئر من الفجر وحتى العشاء وحين يعود لمضارب أسياده "لفريك"منهكا متعبا بعد يوم طويل من العمل الشاق تطلب منه زوجة سيده (لمرابطة حسب تعبير بداه )القيام بما يلزم من أعمال المنزل فيعتذر لها بأنه متعب و غير قادر على القيام بتلك الأعمال فتقوم إليه وتعنفه بألفاظ فيها الكثير من التهديد والوعيد ثم تشتكيه لزوجها ليقوم بسحله وضربه ضربا مبرحا وأحيانا يتم ربطه بجذع شجرة حتى الصباح إرضاءا لسيدة المكان ولكي لا يرفض طلبا لها بعد ذلك .
هذه نماذج بسيطة جدا من واقع أليم عاشه العبيد في كل جهات أرض المنارة والرباط أرض المقاومة الجهاد أرض المحاظر والمنابر أرض المتن والفروع أرض المنطق والبيان أرض الشعر والقرأن أرض فطاحلة العلماء المجددين وأرض الأمراء العادلين أرض الأولياء والصالحين الذين يجوز في حقهم من الكرامات والمعجزات ما لم يذكر في الأثر عن نبي ولا رسول !!!
سوف يقول أبناء القبائل من حراس امجاد الوهم ومزوري تاريخ الظلم والطغيان وعبدة الخرافة وفكر الجهل والظلام أن هذا قد حدث في أغلب الشعوب والأمم .
أقول لهم نعم ذلك صحيح بل حدث ما هو أبشع منه وأشد فظاعة في أمم كثيرة بل إن الإنسان الأسود هو أول من باع إبنه مقابل قطعة ملح صغيرة وهو أول من باع أخوه الأسود للأوربيين الذين ارتكبوا فظاعات كثيرة ضد الإنسان الأسود وغير الأسود …...
لكن تلك الأمم لم تكابر كما تكابرون ولم تنكر جرم أسلافها كما تنكرون ولم تفتخر بماضيي أجدادها الظلامي كما تفتخرون بماضي أسلافنا الذي تقدسون.
هذه أمم تمعنت في تاريخها بنظرة موضوعية دون أية عاطفة وتسامت على عقدها واعترفت بأخطائها واعتبرتها نقاطا سوداء في تاريخها وجرمت من يرتكبها وغيرت من نظرتها و سلوكها واعتذرت لضحاياها وعملت على الأخذ بخاطرهم والتعويض لهم عن ما لحق بهم و أسلافهم من ضرر عبر سياسة تمييز إيجابي توفر العيش الكريم والتكوين السليم وتكافؤ الفرص بين الجميع من أجل القضاء على التفاوت والتهميش ..
على الجميع محاربة وتجريم العبودية بمختلف أشكالها والعمل على إزالة مخلفاتها للحد من أضرارها على تماسك هذا المجتمع الهش والبلد الضعيف المساس من طرف نظام فاسد يعمل ليل نهار على تكريس الظلم بين فئات المجتمع من أجل تشتيت المشتت اصلا للحفاظ على السلطة ولا هم له غير السلطة .