مبادرتا اترارزة ونواذيبو للمأمورية الثالثة.. خطوة أولى لحراك جماهيري قادم / إسماعيل ولد الرباني

بعد أكثر من نصف قرن على استقلال موريتانيا عن الاستعمار الفرنسي كانت كل الخدمات التي قدمتها الدولة هزيلة وقليلة وممركزة في محيط ضيق لا يمكن وصفها بذات النفع العام.

كان المطار الدولي وحيدا والجامعة يتيمة والميناء منفردا والطاقة شبه منعدمة وفرص التشغيل غائبة والفساد منتشرا, والتعاطي مع المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي في أدنى مستوياته.

عشر سنوات فقط من حكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز, كانت كفيلة بحصول البلد على استقلال جديد تأسست بموجبه الجمهورية الثالثة التي بدأت بالحرب على الفساد وإعادة توزيع الثروة وتعزيز البنى التحتية وإنشاء الجامعات والمعاهد المتخصصة وتجذير التجربة الديمقراطية والانفتاح على العالم.

لقد كانت أول أهداف مؤسس موريتانيا الجديدة أن يستأصل الفساد والمفسدين, فكانت محاربته من أولى الأولويات وفي فترة وجيزة استعادت الخزينة العامة مئات الملايين من أيادي المفسدين الملطخة بأموال الشعب.

 وسبيلا إلى إعطاء العاصمة وجها حضاريا يليق بها في القرن العشرين, وإنصافا لمواطنين أهدرت كرامتهم بالسكن في أخبية لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء على مدى عقود من الزمن, شرعت الدولة في منح القطع الأرضية لأسر لم تكن تطمع بالحصول على مأوى مسجل باسمها، تحفظ فيه كرامتها الانسانية، فشيدت بذلك أحياء كاملة تم تزويدها بكافة مستلزمات الحياة.

وبدل مطار يتيم ومتهالك يقع في وسط العاصمة نواكشوط، تم تشييد مطار جديد بالمقاييس الدولة خارج المدينة، وهو المطار الذي تعهدت كافة الأنظمة المتعاقبة بإنجازه وعجزت عن تجسيده على أرض الواقع، كما تم تشييد ميناء تانيت، ووضع الحجر الأساس لميناء انجاكو متعدد الوظائف.

وفي مجال الطاقة استثمرت الدولة في بناء المحطات الكهربائية بمختلف أنواعها، التقليدية والشمسية والهوائية، حتى أنها أصبحت تصدر الطاقة لبعض دول الجوار.

وفي مجال توفير المياه، انتقلت مدن نواكشوط ونواذيبو ومدن الحوض الشرقي ومكطع لحجار في لبراكنه... وغيرهم من مدن البلاد، من الوضع الكارثي والعطش المستمر، إلى وضع يستهلكون فيه ما يريدون من ماء صالح للشرب بمجرد لمسة زر.

وفي نواكشوط تمكنت الدولة من إيصال مياه مشروع آفطوط الساحلي إلى كافة أحياء المدينة، وهو المشروع المتعطل منذ عهد الرئيس الأول للبلاد، وفي نواذيبو تم تعزيز مولدات ضخ المياه ببلنوار وتوسيع شبكة الأنابيب، وفي ولاية الحوض الشرقي وجميع المدن التابعة لها تم تمويل وإنجاز مشروع  عملاق هو مشروع آفطوط الشرقي، الذي استفادت بموجبه معظم مدن وقرى المناطق الشرقية من مياه صالحة الشرب انتظرتها الساكنة لعقود كثيرة.

وفي مكطع لحجار تم استجلاب المياه من مسافة تزيد على 100 كلم، كما تم حفر عشرات الآبار الارتوازية في أكثر من نقطة عبر البلاد، وبذلك ودع الموريتانيون سنوات العطش إلى غير رجعة.

وفي مجال الصحة، تم بناء وتجهيز المشتشفيات متعددة التخصصات في نواكشوط وعواصم الولايات وفي بعض المقاطعات، كما تم اكتتاب واستجلاب الكفاءات الطبية اللازمة، وعرف مرضى الداخل، لأول مرة في حياتهم، أن هنالك جهاز فحص يسمى "سكانير"، لم يكن يوجد منه غير جهاز واحد متهالك في العاصمة نواكشوط.

وفي مجال التعليم، شيدت المدارس والثانويات، واستحدثت مدارس الامتياز والمعاهد المتخصصة، كما شيدت الكليات الجامعية وتم توفير كافة مستلزماتها البشرية والفنية واللوجستية، ولأول مرة في تاريخ البلاد يخصص رئيس الجمهورية سنة للتعليم والتكوين.

أما فيما يتعلق بالحريات الفردية والجماعية، فقد تقدمت موريتانيا على كافة دول المنطقة في حرية الصحافة وحرية التعبير، وخلت سجونها من معتقلي الرأي، وتعمل الأحزاب السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني بحرية تامة، وتشهد الساحات العمومية المسيرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمهرجانات بكافة أشكالها دون أن تسجل أية مضايقات، ما لم تصل حد تهديد الأمن.

كما شهد البلد انفتاحا غير مسبوق، توج بحوارات مع المعارضة وأدى بعضها إلى نتائج عززت التجربة الديمقراطية، وتم وضعها على المحك في كافة الاستحقاقات الأخيرة (البرلمانية، الجهوية والبلدية)، وقبل ذلك شهدت البلاد حوارا وطنيا شاملا وضع حلولا لكافة الإشكالات العالقة، وأسس لتثمين المقاومة وانصاف شهداء الكرامة الذين ضحوا بأرواحهم  دفاعا عن هذا الوطن الغالي وأعاد كتابة تاريخ البلد بأقلام أمينة, وهو ما تم تتويجه باستفتاء دستوري دخلت معه الجمهورية الثالثة حيز التنفيذ.

إن الشعب الموريتاني, إذ يتابع تلك الإنجازات العملاقة التي تحققت في ظرف وجيز, لن يرضى بالعودة إلى مربع التيه الذي عاش مآسيه بكل تفاصيله المريرة, وسيفرض إرادته باعتباره مصدر كل التشريعات.

ومن هنا جاءت مبادرتا أطر ومنتخبي ووجهاء وأعيان ولاية اترارزه ونواذيبو, لتكون بداية لتحرك جماهيري واسع من أقصى البلاد إلى أقصاها لفرض بقاء ربان سفينة الإصلاح والتنمية بهدف إيصالها إلى بر الأمان.

إن فرض ترشيح الرئيس محمد ولد عبد العزيز لمامورية ثالثة لم يعد محل مساومة, فالبلد لا يزال يسير في اتجاه الشاطئ وسط أمواج إقليمية ودولية عاتية لا مجال فيها لاستبدال ربان متمرس وذا تجربة غنية وناجحة, بربان آخر من هواة السباحة عكس التيار لمجرد أن مغامرين يمتلكون سترات الهروب ومتأهبون للقفز من المركب يريدون خوض المغامرة بحاضر ومستقبل الأبرياء.

24. ديسمبر 2018 - 10:09

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا