موريتانيا والغاز ... احتياطيات واعدة و إيرادات ضخمة (1) / د.يربان الحسين الخراشي

يعد الغاز الطبيعي أحد أهم  مصادر الطاقة في المستقبل، وأقلها تلويثاً للبيئة  إذا ما قورن بالفحم والنفط، وأكثرها سلامة إذا ما قورن بالطاقة النووية وأقلها تكلفة مقارنة بالطاقة الشمسية؛ وهذا ما تسبب في تزايد الطلب العالمي عليه، حيث  ارتفع الإستهلاك العالمي للغاز من حوالي 2.5 تريليون م3 سنة 2000 إلى حوالي 3.5 تريليون م3 سنة 2015، ومن المتوقع أن يبلغ حجم هذا الاستهلاك حوالي 5.7 تريليون م3 سنة  2040 ليصبح  بذلك المصدر الأول لتوليد الطاقة الكهربائية في العالم. هذا الطلب العالمي المتزايد كان وراء توقيع شركات الطاقة العالمية الكبيرة للعديد من اتفاقيات البحث والتنقيب عن الغاز في بعض أماكن العالم الغير مستكشفة بالكامل، والتي من أمهما سواحل الغرب الإفريقي.

(1)

 احتياطيات واعدة

بدأ التنقيب عن النفط والغاز في بلادنا مبكرا سنوات قليلة  بعد الاستقلال دون الوصول إلى كميات اقتصادية حتى نهاية القرن الماضي لكن اكتشاف شركة وود سايد الاسترالية حقل باندا للغاز سنة 2002 على بعد حوالي 61 كلم من شواطئ بلادنا، وبمخزون قدر بحوالي 1.2 تريليون قدم مكعب كان مؤشرا إيجابيا لاحتمالية وجود الرواسب الهيدروكربونية ( النفط والغاز) بكميات تجارية في المنطقة؛ وهذا ما اعطى دفعا جديدا إيجابيا للشركات الدولية للدخول في مرحلة جديدة من البحث والتنقيب بتقنيات حديثة، وهو ما قاد في النهاية  شركة كوسموس (Kosmos Energy) سنة 2015  إلى الاكتشاف الأكبر حتى الآن في تاريخ التنقيب في شبه المنطقة، وقد أظهرت نتائج حفر ثلاثة أبار تنقيب تحت الماء في المنطقة الحدودية البحرية بين موريتانيا والسنغال وجود حقل كبير من الغاز الطبيعي  مشترك بين البلدين، حيث كان  بئر التنقيب "تورتو-1"  الذي أعيدت تسميته لاحقًا "باحميم-1"  وتم حفره منتصف سنة 2015 بداية هذه الاستكشافات المباركة فقد تم حينها اكتشاف حوالي 117 مترًا من صافي رواسب الهيدروكربونات عالية الجودة  مخزونة في  تشكيلة جيولوجية رملية يعود عمرها إلى العصر الطباشيري شبه المتأخر ( 93 إلى 113 مليون سنة) ، أما البئر الثاني  "كمبل -1"  الذي يبعد حوالي 5 كلم إلى الجنوب من "احميم 1"  فقد  تم حفره سنة 2016  في السنغال، و أظهر وجود حوالي 101 مترا من رواسب الغاز الطبيعي، كما بين  هذا الحفر الاستكشافي استمرارية التشكيلة جيولوجية الطبيعية الرملية المشكلة لخزان الغاز في احميم1 الموريتاني، أما البئر التنقيبي الثالث "احميم2"  الذي بلغ عمقه 5200 متر فقد كشف عن وجود  78 متر من الغاز الصافي ممتاز الجودة، وهو ما قاد إلى توسيع مساحة هذا الحقل المشترك من 50 كلم إلى 90 كلم مربع، كما أكد اختبار الضغط الساكن  ترابط الأبار الاستكشافية الثلاثة المكونة لحقل الغاز المشترك " احميم الكبير"،  الذي أكد أكثر من مسؤول موريتاني  في أكثر من مناسبة أن احتياطه المؤكد من الغاز الطبيعي يتراوح ما بين 15 إلى 20 تريليون قدم مكعب من الغاز، و تشير بعض تقارير شركة بريتش بتروليوم (BP) أن  الاحتياطي المحتمل في المنطقة قد يصل إلى 50 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي.

(2)

إيرادات ضخمة

في الوقت الذي أصبح فيه الإنفتاح والولوج إلى المعلومة حق من حقوق المواطن، وشرط مسبق للشفافية، وعلى الرغم من كون بلادنا تتبنى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية منذ 2005م، إلا أن المعلومات عن حقل الغاز الجديد لا تزال تطبعها السرية، وما رشح منها يعتبر معلومات عامة جدا، وهذا ما يصعب من معرفة الحجم الحقيقي للإيرادات المرتقبة، ومع ذلك  هناك طريقة ليست هي الطريقة الهندسية والاقتصادية لتقييم قيمة هذا الحقل، وبالتالي معرفة حجم الإيرادات المرتقبة لكنها طريقة  قد تعطي الفرصة للرأي العام الوطني لرسم صورة عن حجم الإيرادات المرتقبة للميزانية الوطنية ما بعد 2022م، وتركز هذه الطريقة بكل بساطة على معرفة حجم الطاقة الإجمالية التي من المرجح أن ينتجها هذا الحقل خاصة أنه من المتعارف عليه عالميا أنه يتم تسعير الغاز الطبيعي عن طريق المحتوى الطاقوي له، حيث تعتبر المليون وحدة حرارية بريطانية التي يرمز لها با (MMbtu) هي وحدة تسعيره وبيعه عالميا، وهي تعادل 28.26 متر مكعب من غاز الطبيعي، فلو افترضنا جدلاً  أن الكمية التي سيتم استخراجها، وتسويقها من الحقل تبلغ حوالي 15 تريليون قدم مكعب من الغاز، وهو ما يعادل حوالي 425 مليار متر مكعب يكون حينها الحقل قادر على إنتاج كمية طاقة إجمالية تقدر بحوالي 15 مليار مليون وحدة حرارية هذا من جهة، ومن جهة أخرى عند الأخذ في الاعتبار أن الطاقة المخزنة في كل برميل من النفط  تقدر بحوالي 5.8 مليون وحدة حرارية بريطانية، وأن أسعار النفط حاليا تقدر بحوالي 50 دولارا للبرميل، وهو ما يعني أن سعر المليون وحدة حرارية يساوي 8.6 دولارا؛ تكون حينها القيمة التقديرية الإجمالية الحالية لحقل "احميم الكبير" المشترك حوالي 129 مليار دولار أمريكي. لكن هذه القيمة قد تتناقص إلى حوالي النصف لو اعتمدنا تسعير الغاز حسب مركز هنري هوب لتجارة الغاز في أمريكا، مما يجعل من عملية اختيار طريقة التسعير التي تعتمد أساسا على السوق المستهدف بالغة الأهمية خاصة في ظل عدم  التوافق على طريقة واحدة لتسعيرالغاز الطبيعي عالميا.

إن اتصال الضغط الساكن في الأبار التنقيبية الثلاثة واستمرارية الطبقة الرملية الخزان التي يعود عمرها إلى حوالي 100 مليون سنة على عمق حوالي 5000م تحت سطح  الأرض بين البلدين لا يقل أهمية عن الدماء المشتركة والمختلطة التي تجري في عروق الشعبين على ضفتي النهر على سطح الأرض، و هذا ما يعكس  بجلاء مدى  وحدة المصير المشترك للشعبين الموريتاني و السنغالي، وقد يمكن هذا الحقل البلدين الشقيقين من التحول إلى قطب اقتصادي تعاوني تشاركي جديد في القارة، ومع ذلك نحن نعتقد أن القيمة الحقيقة الفعلية لهذا الحقل ليست في كم من مليارات الدولارات سيدرها على بلادنا بل في كم من المهارات والتقنيات الحديثة سيكتسبها شبابنا عن طريق فرص العمل المختلفة التي سيخلقها هذا الحقل الكبير.

     

27. ديسمبر 2018 - 15:17

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا