الكفء في اللغة هو النظير والمساوي ومن هنا جاءت الكفاءة في الزواج بمعني أن يكون الزوج مساوياً للمرأة التي يريد الزواج بها في الحسب والنسب والدين وغير ذلك•
والكفاءة عند العلماء هي المماثلة بين الزوجين في أمور مخصوصة دفعاً للعار والمقصود من شرعية النكاح هو انتظام مصالح الزوجين كل بالآخر في مدة الحياة لأنه وُضِع تأسيساً لقرابات ومصاهرات اندماجية تجعل من البعيد قريباً وعضواً ومساعداً يسره ما يسرك ويسوؤه ما يسوؤك وذلك لا يكون إلا بالموافقة والتقارب ، وإذن، يكون تفويت الكفاءة مضيعاً لمقاصد الشارع من عقد النكاح. ولعلماء الشريعة في ذالك رأيان:
فمنهم من قال: إن الكفاءة ليست بشرط أصلاً إلا في الدين فليست شرطاً من شروط صحة الزواج ، فيصح الزواج ويلزم ولو كان الزوج غير كفء واستدلوا بقوله تعالى: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"13" سورة الحجرات• وبقوله صلى الله عليه وسلم: "الناس سواسية كأسنان المشط لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"• وقد نوقشت أدلة هؤلاء وانتهت إلى أن المصلحة في الزواج قاضية باعتبار الكفاءة.
وذهب جمهور العلماء إلى أن : الكفاءة من شروط اللزوم في عقد الزواج وإن كان لا يتوقف في صحته عليها، واستدلوا بأدلة منها: قوله صلي الله عليه وسلم "ثلاث لا تؤخر: الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت وإذا وجدت لها كفناً" وقوله صلي الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" وقوله صلى الله عليه وسلم: "تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء" إلخ.
ونظرا لقوة أدلة الرأي الأول الداعي إلى اعتبار الكفاءة في الدين فقط، وكون الناس جميعاً لآدم وحواء ومتساوون في الحقوق والواجبات، ونظرا لكون انتظام مصالح الزوجين لا يكون إلا بالوفاق المؤسس على الحب والتراضي فإنه يتبين المرتكز الثابت في بناء هذا الأساس الاجتماعي الأهم.
ونظرا لأن سنة الله في خلقه قضت بتفضيل بعض عباده على بعض في الرزق، وبرفع بعضهم فوق بعض درجات في العقل والذكاء والعلم والعمل والجسم طولاً وقصراً وجمالاً وقبحاً وغير ذلك ، وبعدل الله وقدرته خلق الإنسان مياّلا إلى التنافس في سبيل التطور والوصول إلى أعلى مراتب المجد، مدفوعا بالرغبة الفطرية في النجاح والتفوق والابتكار، وجعله في نفس الوقت مقيدا بحكم طبيعته الاجتماعية بالانحياز والميل إلى التعاون والعمل المشترك و التعامل الجماعي بأنواعه كافه لتحقيق مطلب التطور والرقي الاجتماعي ، وبما أن هذا ينبغي أن يكون هو أهم مرتكز لتحقيق أهداف التنافس للأخذ بأسباب الفضل والتفوق ، جاء رأي جمهور العلماء باعتبار الكفاءة شرطا لازما في الزواج لكونها أفضل للزوجين وأنفع لمصالح الأسرة وأجدى للعلاقة الزوجية وأضمن لأمن واستقرار المجتمع. ولكون هذا الرأي يستند إلى أدلة شرعية قوية وتجارب وحقائق واقعية ثابتة يؤيدها العلم ويعتبرها الشرع ، تتجلى الكفاءة كشرط متحول إيجابي في علاقة الزواج ، لأن الكفاءة ضرورية لتحقيق مقاصد الزواج وتأصيل قيم التنافس الايجابي وتأكيدها كمحور أساسي لكل تقدم اجتماعي.