"لحراطين" في رغد من العيش..ويقرؤونك السلام / عبد الله أتفغ المختار

مع طي صفحة دعوى الساموري بالاعتذار، وبأقل الأضرار، لديَ بعض الملاحظات، ومنها أن ولد عبد العزيز لم يأت بعبودية جديدة، ولم يزد من تهميش شريحة لحراطين، مع أن المشكل برزت إلى السطح منذ وصوله السلطة، إذ زاد الشحنُ، والحديثُ عن الغبن، وكشَفَ الرئيس بيرام لأول مرة عن وجهه الآخر، مع أنه كان عضواً نشطاً في الحزب الجمهوري في مقاطعتي الميناء والرياض، ثم قيادياً وداعماً للمرشح الزين ولد زيدان في الانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن وصول ولد الشيخ عبد الله إلى القصر الرمادي.

أكرر أننا لم نسمع لبيرام ولا لغيره ركزاً في أيام « معاوية الخير والنماء » حين كان ساسة البيظان والحراطين، يتسابقون للتكفل بسد الثغرات، وبعلاج الخلل بمساعدة الشريحة مادياً، واحتضانها أو احتضان غالبيتها في وعاء القبيلة والحزب، و يغدقون العطايا على أي حرطاني تُشمُ فيه رائحة التذمر، أو يمكن أن يحمل مشعلَ « البيرامية » التي كانت جاهزة.

سهرَ رجال ولد الطايع، على تصيد أي « بيرام » بالتعيين وبالتقديم في الشأن العام، وهم بذلك يزيدون من رصيدهم لدى سيد القصر، ومن نفوذهم في الحزب والنظام.

من منا بمقدوره نفيُ شعبية أطر ولد الطايع الحراطين والبيظان في الشرائح الهشة؟ وكيف يمكن للسواد الأعظم من تلك الشرائح، بين عشية وضحاها، أن يعتمد على نفسه، أو أن يستغني عن ذلك « الضمان الاجتماعي » الذي كان رجالاتُ ولد الطايع يوفرونه « الغذاء مقابل الولاء ».

لنفترض أن ولد عبد العزيز ضربَ الفساد والمفسدين، وهو ما لا يمكن أن نتفق عليه، لكن يمكن أن نتفق على أن مُفسدي ولد عبد العزيز، ورجالَ أعماله الجدد، وأغلب ساسته، أنانيون، وكلهم يخشى أن تصيبه دائرة من الفاقة، التي لم يُصدق أنه خرج منها، بل ما يزالُ يتذوق مرارتها، حتى صدق فيهم قول الشاعر:

نعم فيهم قومٌ قليلٌ عديدُهم // لهم نشبٌ من جاء يطلبُ منه زَلْ

به خصهم ذو العدل دون سواهم // فخصوا به، والله أعدل من عدلْ

وخافوا من العدوى بفقر، فكلهم // بما عنده رامَ السلامة فأعتزلْ

وإن نظرنا اليوم إلى بيوت داعمي ولد عبد العزيز، لا نجد أثراً لحشود الحراطين تلك التي كانت دائما حاضرة في بيوت ساسة ولد الطايع، حتى أن الاستثمار لحراطين اليوم، والسعي في شأن الموالين منهم يكاد يقتصر على باي ابيخه وبيجل ولد هميد، الحاضريْن في أوساط الصيادين التقليديين، والشيخ ولد بايه، الحاضر في أوساط عمال المناجم، فيما بدأت الزعامات التقليدية تفقد الكثير من ألقها جراء تجفيف المنابع.

وعلى افتراض أن الإصلاح جارٍ على قدم وساق، فهل بمقدور الشرائح الهشة انتظارُ نتائج إصلاح مُفترض؟ هل تُطعمُ القوانينُ الجياع؟ ما قيمة شفافية الاكتتاب في الوظيفة العمومية إذا افترضنا أن كل الناجحين فيها من شريحة لحراطين؟ وكم تكتتب الوظيفة العمومية سنوياً؟ ما قيمة العدالة حين يكون الحرطاني المحالُ إليها سرق قنينة غاز أو معزاة، لفرط الحاجة؟.

نعم، أنشأت الدولة وكالة « التضامن » للتدخل في جيوب الفقر ومخلفات العبودية، لكن لا تمويلها ولا صلاحياتها تسمحان لها بتلبية خُمُسَ ما كان ساسة ولد الطايع، يلبونه من حاجيات تلك الجيوب..

ربما لم يعد خافياً على أحد أن أغلب ساسة ولد عبد العزيز لم يناصروه فعلاً.. ولم يركبوا معه في المركب ذاته.. يخافونه فقط، وهم في الغالب في مرحلة انتقالية، خصوصاً من كانوا يعتقدون أنهم سيخلفون ساسة ولد الطايع جاهاً ومالاً، فإذا بهم لا جاهَ ولا مالَ ..

منهم من يمدح ولد عبد العزيز نهاراً ويذمه ليلاً.. وهم بذلك يقفون نفس موقف قوى المعارضة:

إذا لم يكن للمرء في دولة امرئٍ .. نصيب ولا حظٌ تمنى زوالها

وما ذاك من بُغضٍ له غير أنه .. يُرَجي سِواها فهو يهوى انتقالها

لم يأت ولد عبد العزيز بعبودية جديدة، لكن عندما يسوءُ وضع البيظان مادياً، فإن الأمر سينسحب على باقي الشرائح الاجتماعية.. وحال البيظان اليوم لا يخفى على ولد عبد العزيز.  

صحيحٌ، ولد عبد العزيز قسمَ القطع الأرضية، وتمدد نواكشوط في كل اتجاه، وفتح مئات المدارس في الإحياء الشعبية، لكن ما تُغني القطع الأرضية؟ وما أهمية المدرسة لأسر لا يمكنها توفير قوتها اليومي من دون جهد أطفالها؟

لم يهمل ولد عبد العزيز مشكل الحراطين سياسياً، ولا أهمية بالتعيينات على وفرتها.. هو فرطَ فقط في آلية ولد الطايع لمحاربة الفقر بالفساد، يومَ راهنَ على إصلاح لم تتوفر له الأرضية، ولم تُوَظف له الإمكانياتُ، ولم يوكل لطاقم مقتدر، ولم يُوَجه لخدمة الشرائح الضعيفة، الأمية، المنهكة.. والأدهى والأمر أن من ساسة بل من وزراء ولد عبد العزيز من ينقل له نفس الصورة التي كانوا ينقلونها لولد الطايع.. يقولون له لحرطين في رغد من العيش، ويتبرؤون من بيرام، ويقرؤونك السلام.

30. ديسمبر 2018 - 9:59

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا