ليس من باب المبالغة، ولا من قبيل الشطط في القول، أن نقول : يحق لكل مواطن موريتاني أن يفرح بمقدم سنة جديدة من سنيّ البناء والتشييد، في عشرية شهدت انجازات عملاقة وملموسة علي أرض الواقع، لم يعد هناك بُدّ من الإقرار بها، وتثمينها، والتأكيد علي وجوب المحافظة عليها. نعم، فسواء كنا اليوم في المعارضة-المسؤولة أو تلك التي هي من أجل المعارضة فقط-؛ وسواء كنا من الأغلبية –المعتدلة و المخلصة للوطن، أو تلك المطبّلة المزمّرة، لمكاسب شخصية ضيقة-، أو كنا غير "مسيسين" أصلا، أو كنا "لاحزبيين" مبدئيا، فإن الجميع بقرّ اليوم بأنه قد تمّ ما يلي :
1-مكافحة الفساد، والتصدي للتحايل والهدر الممنهج للمال العام، مما أدي، كنتيجة ملموسة وواضحة للجميع، إلي اختفاء "تكتات" البنزين و"الكازوال" إلي غير رجعة، بما كانت تمثله من فساد مشين، وتلاعب مستهتر بممتلكات الدولة، وكذا اختفاء سيارات "اس.ج" الحكومية، التي كانت "ترعي" الإبل في البوادي لصالح المسؤولين الكبار في الدولة؛ وفواتير المنازل، والهاتف، والماء والكهرباء، المبالغ فيها، والازدواجية في الدخل...
2-المحافظة علي التوازنات الاقتصادية الكبري، عبر سياسة نقدية محكمة، والترشيد في الانفاق العام، والتحكم في مستوي التضخم، وتعبئة الموارد بالشكل الصحيح، داخليا وخارجيا، والتطبيق الصارم لبنود ومقتضيات قانون الميزانية العامة؛
3-إعطاء الأولوية للمشاريع "المُهيْكِلة" علي سلّم الأولويات، وفي القطاعات الحيوية الكبري، مع التمسك بخيار التمويل علي نفقات الدولة، كلما كان ذلك ممكنا، وكذا دعم وإغراء المموِّلين الأجانب، لجلب الاستثمارات الخارجية المباشرة، وتشجيعها ودعمها؛
4- ضمان الأمن، والرهان عليه كشرط أوّليّ لكل عملية بناء وتنمية، و ذلك بمكافحة الإرهاب بلا هوادة، عبر مقاربة ذات شقين، عسكري و"فِكْرِي-تَوْعَوِي"، مقاربة شهد العالم أجمع بجديتها، وأهميتها، ونجاعتها. هذا مع تأمين حدود البلد بنقاط عبور محددة، ومجهزة، وتطوير الجيش الوطني، وتسليحه، والرفع من جاهزيته؛
5-المضي قدما في تصحيح و تطوير الجباية، وانتهاج الشفافية في تسيير الخزينة العامة، وكذا الشفافية في تنظيم الصفقات العمومية، مع نشر ميزانيات كل الوزارات علي موقع الكتروني مربوط بالشبكة العنكبوتية، وهو ما يتيح للجميع الاطلاع علي هذه الميزانيات ومراقبة طريقة تسييرها؛
5-تنمية و تعزيز الديمقراطية، عبر تنظيم استحقاقات انتخابية متعددة، شفافة ونزيهة، بإشراف كامل ومطلق من طرف لجنة وطنية مستقلة للانتخابات، والعمل الدائم علي تحْيين وعصرنة ترسانة قانونية حديثة، تدعم الحريات الفردية والجماعية، وتصون وترسّخ الممارسة الفعلية لكل أنواع حقوق الإنسان المصادق عليها، والمتعارف عليها دوليا، كحرية التعبير، والتظاهر السلمي، وحرية تشكيل و إنشاء الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية؛
6-إعادة الحيوية، والألق، والنشاط الضروري، عبر الفاعلية في المواقف المتوازنة، بالحياد الإيجابي والواقعية التي تحفظ السيادة والمبادئ والهوية. وهو ما مكّن السياسة الخارجية لبلادنا من تحقيق نجاحات باهرة، كاحتضان القمم الكبرى، والإسهام في حل الأزمات، علي مستوي عالمَيْنا، العربي والإفريقي. مما سمح لبلادنا بأن تصبح لاعبا إقليميا، قاريا، ودوليا، له مكانته وكلمته المحترمة في المحافل الدولية.
أدّت هذه السياسات المحكمة، إلي نتائج ملموسة، أصبحت واضحة، وغدت موضع تقدير وإشادة من طرف كل المواطنين. ولذلك لن يكون من الضروري، ولا حتي من الممكن هنا الدخول في تفاصيلها.
ولن يملّ المواطنون المخلصون للوطن، والذين يهمهم أولا وقبل كل شيء ما ينفع الناس ويمكث في الأرض، وكل ما يخدم المصالح العليا لهذا الوطن العزيز؛ لن يمل هؤلاء الإشادة بهذه المنجزات والتذكير بها.
وإن كل ما ذكرناه من سياسات رشيدة، تم التخطيط لها بشكل محكم، وتطبيقها بشكل صارم، لم تأت من فراغ، ولا من قبيل الصدفة. فالأمر أجل، وأخطر، وأعمق من ذلك. بل هو كما قال "وينستون اتشرشل"، ذات يوم : ( لا توجد معاهد أو جامعات لتكوين وتخريج القادة )... ولتلك المقالة ما لها من عمق ودلالة في أن قيادة الدول، وتزعم الأنظمة، والرئاسة الحكيمة والمتبصّرة للأوطان، التي توجد، جبلة وفطرة، لدي بعض الأفذاذ من الرجال، هي هبة ونعمة، يجب اغتنامها وترشيدها، وحفها بالصون والرعاية، بالحرص عليها وعدم التفريط فيها، إذ ليست متاحة لكل من هبّ ودبّ...
ولعل ذلك ما يفسر بروز التمسك المطلق بشخص ونهج مفجر هذه النهضة، وملهمها، وبانيها، والضامن الأكيد لها، ولاستمراريتها. ولن ينخدع الشعب الموريتاني بكل أشكال الـ "التعسير" القانوني، والدعاوي الدستورية المغالطة، من طرف المهووسين بالديمقراطية "اللابولية"-نسبة إلي قمة "لابول"-؛ فلم تعد الشعوب تُخْدَعُ، ولا تُدجّن، ولا تُركّع. فها هي شعوب عريقة تصنع ديمقراطياتها لنفسها، كالشعب الروسي، بقيادة "افلادمير توتين" الرئيس المخلص والخادم لوطنه، وها هي الصين، بقيادة "سي ادجي بينج"، تشق لنفسها طريق التنمية والازدهار الاقتصادي الكبير، ويعلن رئيسها في آخر خطاب يلقيه، بمناسبة احتفال بلاده بذكري انطلاق مسيرة تنميتها الحديثة، : (لا أحد في هذا العالم يستطيع أن يُملي علي الصين ما تفعل أو ما لا تفعل)...
نعم، لقد فهم العالم أجمع أن المعركة اليوم، هي معركة اقتصادية وتكنولوجية بالأساس. ولم يعد أحد ينشغل بـ"العلامات" التافهة،-من قبيل "صح-خطأ-جيد-حسن-مقبول-توبيخ-تشجيع-مرفوض"؛ التي تمنحها القوي الاستعمارية البالية، والتي لا تخدم إلا "أنجادات" مانحيها.
ولم تعد الشعوب تصغي إلي "الغوغائيين" من مرضي النفوس، الذين لا يحسنون في هذه الدنيا سوي اللهث وراء "سراب" السلطة، و"المعارضة" السلبية، العدمية، التي لا تنبع إلا من حب مَرَضِيٍّ للعب دور المعارض، علي طريقة "سيزيف" ، والمشاكسة، والمكابرة، والشحناء، والطعن، والسب، والهمز، واللمز، والقدح المستباح؛ الذي لا يستند إلي دليل قانع، ولا ينهض به واقع مشاهد.
.
فإذا ما سأل سائل اليوم، هل يحق للشعب الموريتاني، أن يطالب بتعديل دستوري، مراعاة للمصلحة العليا للوطن، وإعمالا لمبدآ تغليب المصلحة "الأكيدة" له، علي العوائق "النصوصية" و "الشكلية" ، والتي يمكن، لو صدقت النوايا، وصفت القلوب، أن يتم تجاوزها، وبكل بساطة، عن طريق تعديل دستوري، يُصوت عليه ويقره ممثلو الشعب الموريتاني، الذين انتخبهم أولا وقبل كل شيء، للدفاع عن المصلحة العليا للوطن.
فلا تعدو المسألة كونها معركة "دستورية" مفتعلة، إذ من المُسلّم به عند جميع علماء وفقهاء القانون أن "الشعب هو مصدر السلطة، والسلطة ملك في البداية والنهاية للشعب" و أن "الشعب وحده هو الذي يمنح السلطة أو ينتزعها ممن يشاء". فهل يمنع "أشباه القانونيين"، اليوم علي الشعب الموريتاني، أن يعتمد ما يمكن اعتماده، من طرق "شرعية و مشروعة" لتمرير خيار الشعب الموريتاني... فللمواطنين الحق، كل الحق، في مواصلة الحشْد، والتعبئة، من أجل تغليب ما يرونه المصلحة العليا لوطنهم، والاحتفاظ بشخص ونهج مُلهم الإصلاحات، وصانع الانجازات، والضامن لمواصلة حركة التصحيح، والمضي قدما في عملية البناء والتشييد...
سنة سعيدة 2019م.
وكل عام والشعب الموريتاني بألف خير.
محمد يسلم يرب ابيهات
انواكشوط 31/12/2018م