لا اعرف لما ذا يغضب البعض ويفقد توازنه كلما تحدث حقوقيون أو سياسيون عن وجود ممارسات استعبادية في هذا البلد ، وطالب - وحق له أن يفعل ذلك بصوت مرتفع - أن يعمل الجميع من أجل أن تختفي الظاهرة المخالفة للشرع والأخلاق والقانون عن مجتمعنا الذي عانى منها – كما هو حال العديد من المجتمعات – منذ قرون عديدة.
احترم لهؤلاء " حقهم في الغضب" ومن باب أولى حقهم في أن يقتنعوا القناعة التى يرون لكنى اقترح عليهم أن لايسعوا في غضبهم وقناعاتهم لتوريط دين عظيم في تسويغ ممارسة جاهلية متخلفة مثل ممارسة الاسترقاق في موريتانيا التي لاعلاقة بها بالإسلام ابتداء ولانتهاء.
*ودون الدخول في بحث فقهي لايتسع له هذا المقال لابد أن نذكر بأن الإسلام هو دين الحرية وهو دين إخراج الناس من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد كما قدمه أحسن تقديم ربعي بن عامر لقائد جيوش الفرس، والإسلام هو دين تكريم الإنسان، وهو الدين الرافض للمفاضلة على أساس الانتماءات البشرية لونية كانت أم عرقية أم قبلية " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم" والإسلام هو الذي قال رسوله صلى الله عليه وسلم لذلك الصحابي الذي عير بلالا بسواد أمه " إنك امرؤ فيك جاهلية" وهو تعبير ينم عن قوة الاستنكار لهذا التصريح العنصري وتصنيف لايقبل التأويل لكل التصريحات أو التلميحات العنصرية بأنها تنتمي للجاهلية وليست من قيم الإسلام في شيء، والإسلام هو الذي رفض الجيل الأول الذي تلقاه طريا من رسول الله عن جبريل عن الله رب العالمين أن "يستعبد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"
لقد جاء الإسلام والعبودية منتشرة في المجتمع الجاهلي وهناك عشرات الأسباب التى تجعل الإنسان يمكن أن يستعبد أخاه الإنسان فكان أن أغلق الإسلام كل تلك الأبواب وترك بابا احتماليا واحدا هو باب الجهاد الذي قد يترتب عله استرقاق وقد لايترتب ، ثم إن الإسلام وضع من القيود على هذه الممارسة ما جعلها مختلفة جوهريا عن ممارسات الاستعباد التي كانت سائدة من قبل والتى سادت من بعد وهي قيود مبسوطة فى كتب الفقه والحديث – يمكن الرجوع لها - وتبدأ من طريقة المخاطية لتضمن كل الحقوق الأساسية للإنسان من تعليم و أكل وشرب.
وفى مقابلة الباب الاحتمالى الوحيد فقد فتح الإسلام أبوابا كثيرة للتحرير ورغب فيه بنصوص كثيرة وهو ما كان كفيلا في النهاية أن ينهي الرق بشكل كامل وهو ما تم في كثير من المجتمعات الإسلامية.
• أما هنا فى موريتانيا وهذا هو الأهم فلم يكن للظاهرة أي أصل شرعي بل إنها وفق ما أكد كثير من المؤرخين المحققين كانت جزء من ظاهرة تجارة الرقيق التي كانت موريتانيا معبرا من معابرها الرئيسية، وإذا كان الأصل غير اسلامي فإن الممارسة كانت اشد بعدا من الإسلام حيث تعرض هؤلاء لإهانات جسدية ومعنوية بل إنه كان يتم التعامل معهم فى كثير من الأحيان باعتبارهم مشكوكا في إنسانيتهم
• كان ذلك عن تاريخ الممارسة الذى لا أحد بالمناسبة يطالب بنبشه فالذي يهمنا معاشر المناضلين من أجل الحرية هو الحاضر والمستقبل أما الحاضر فأظن أنه لو كان يفيد التنكر لوجود الظاهرة والقول إن ما بقي منها مجرد آثار وأن من يتحدثون عن وجودها متاجرون وساعون لتفرقة المجتمع لكنا استرحنا من الموضوع منذ سنوات طويلة حيث ظل النظام - وما زال - يكرر هذه المقولة منذ عقود من الزمن وحتى آخر حملة تحسيسية بالقانون المجرم للرق .
• إن العبودية ما تزال موجودة في كل فئات المجتمع الموريتاني عربا وزنجا وحتى داخل الأرقاء السابقين أو الحاليين هناك ارقاء الأرقاء، وهي ظاهرة راسخة مع الأسف تحميها مصالح اقتصادية ورواسب جاهلية ومطامح سياسية، والأنفع للجميع هو محاربتها بطريقة صارمة تعتبرها قضية عدل في مواجهة ظلم وهي محاربة لابد أن تنخرط فيها كل القوى السياسية الوطنية والمجتمعية وأن لاتترك فقط للضحايا الحاليين أو السابقين للممارسة ففي ذلك إضرار بالقضية والوطن فضلا عن كونه تخل مشين عن واجب من واجبات النصرة الشرعية وحق من حقوق المواطنة.