إن المتتبع لما يجري في الساحة الوطنية منذ بعض الوقت يدرك شديد الإدراك أن موريتانيا تواجه تحديا جديا خطيرا جدا يهدد السلم الاجتماعي و أن الجميع معني بمواجهته و التصدي له فكريا هذا التحدي تجسده ظاهرة العنصرية و التحريض على الكراهية بين مكونات المجتمع الموريتاني من خلال استغلال المنابر الإعلامية و وسائل التواصل الاجتماعي للترويج للشرائحية و السب و القدح و كلنا اليوم نتحمل و نتشارك المسؤولية عن تفشي هذا الخطاب العنصري المتطرف الذي صار خطرا داهما يهدد وحدة و انسجام مكوناتنا الوطنية و ذلك إما بسكوتنا الطويل عنه ترفعا أو مجاملة و كلاهما خطأ فادح إن لم نتراجع عنه كان ذلك التصرف منا لا قدر الله نكوصا عن الحق بعد ما تبين لنا بما لا يدع مجال للشك و لا خيارا للحياد أن الدعوات الصريحة و اللامسؤولة و تحريض ضد فئة معينة و التحريض المضاد و الجهر بالسوء من القول و الدعوة للفتنة مآله تقويض أمن و استقرار و وحدة الوطن و كيان الدولة و إما من خلال الأفكار التي نقدمها للعامة عن وضعية البلد و نتقاسمها مع الآخرين عبر مختلف الوسائط دون مراعاة لفارق المستويات الفكرية ان حسن نوايانا في تقديم تلك المعالجات و إن اتسمت أحيانا بالموضوعية في تشخيص واقع البلد و أحيانا أخرى بالانحياز الايجابي لأصحاب المطالب الحقوقية لا يعفينا من مسؤولية استغلال المتطرفين العنصريين لتلك الأفكار و تحويرهم لها متخذين منها سندا وحجة يضحضون بها عنهم تهمة العنصرية التي هي وصمة عار على جبينهم و إثم عليهم التوبة منه و جرم تجب محاسبتهم عليه , إن العنصريين يستغلون عقول فئتين من شبابنا فئة يتنازعهم الأنتماء لواقع تحاصرهم بقايا أثاره من كل اتجاه و مستقبل خانة الأمل فيه فارغة و على الدولة أن تملئها بالتكوين و المساواة في فرص الولوج للوظائف و العمل و التمويل و فئة أخرى بتصوير بقية المكونات على أنها دونية و أنها بصدد انتزاع السلطة و المال من أيدي ذويهم و أن قدر احتكارهم خص الله به قوما عن أخرين
إن من غير الحكمة أن لا ندرك أن الوطن للجميع و يسع الجميع و أن الحفاظ على مقدراته فيه إطعام للجائع و أمن للغني
إن دعاة التفرق و العنصرية يتفننون في إحلال المفاهيم السلبية مكان البوادر الايجابية على جميع المستويات السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية
و إليكم واقعة من سيرة نبينا الكريم عليه أفضل الصلاة و التسليم ستكون معينة على فهم مقاصد القول
وَرَدَ عنْ عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ الأنْصَارِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مَا مَعْنَاهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ بعَثَ أبا عُبَيْدَةَ بنَ الجرَّاحِ رضيَ اللهُ عنهُ إلى بِلادٍ لِيَجْلِبَ منها المالَ فلمَّا قَدِمَ وسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدومِهِ وافَوْا صلاةَ الفَجْرِ معَ رسولِ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ، فَلمَّا صلّى رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ انصَرَفَ وَقَفُوا أَمَامَهُ فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلّمَ حينَ رءاهُمْ ثُمَّ قالَ: "أظُنُّكُمْ سَمِعْتُمْ أنّ أبا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بشىءٍ مِنَ البحرينِ؟ فقالُوا: أَجَلْ يا رَسُولَ اللهِ، فقالَ: أَبْشِرُوا وَأَمِّلوا ما يَسُرُّكُمْ (أيْ لِيَكُنْ لكُمْ أملٌ في هذا أيْ رجاءٌ). قالَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: "فوَاللهِ مَا الفَقْرَ أَخْشَى عليكُمْ ولكنِّي أَخْشَى أن تُبْسَطَ الدُّنْيا عليكُمْ كما بُسِطَتْ على مَنْ كَانَ قبلَكُم فَتَنافَسُوها كَما تَنافَسُوها فتُهْلِكَكُمْ كما أهلَكَتْهُم" متّفَقُ عَليهِ.
"اللهم إني أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الفَقْرِ ومنْ فتنَةِ الغِنى".