تنقسم التجارة العالمية للغاز إلى نمطين رئيسيين هما: تجارة الغاز الطبيعي عبر الأنابيب التي تستحوذ على حوالي 68%، وتجارة الغاز الطبيعي المسال عبر ناقلات عملاقة التي تشكل حوالي 32 % من الحجم الكلي لتجارة الغاز عالميا، والغازالطبيعي المسال (LNG) هو غاز طبيعي تمت معالجته، و تحويله من حالته الغازية إلى الحالة السائلة بتبريده عند درجة حرارة 161 تحت الصفر، وذلك لتسهيل عملية تخزينه و نقله بكميات كبيرة وبطريقة آمنة، حيث أن الغاز المسال يأخذ حجما أقل بحوالي 610 مرة من حجمه في الحالة الغازية، هذه الميزة وغيرها من المميزات تجعل منه وقود المستقبل الصديق للبيئة الأول، حيث من المتوقع أن يشهد الطلب العالمي عليه نموا سريعا خلال السنوات القادمة نظرا لتقدم تكنولوجيا تسييله، وتخفيض تكلة نقله في ظل تهديدات أمنية تزداد يوما بعد يوم لخطوط أنابيب الغاز العابرة للحدود، وربما يكون للمخاوف الأمنية دور كبير في خيار تسييل الغاز الموريتاني - السنغالي، خاصة إذا علمنا أن أسواق دول أوروبا الغربية قد تكون هي المستهدفة أولا في تسويقه، وأن المسافة الاقتصادية لتجارة الغاز الطبيعي عبر الأنابيب البرية تقدر بحوالي 4700 كلم، وحوالي 1600 كلم بالنسبة لتجارة الغاز الطبيعي عبر الأنابيب البحرية.
(1)
آلية تسعيرالغاز المسال
من المعروف عالميا أنه لاتوجد طريقة واحدة لتسعير الغاز المسال، حيث لكل سوق طريقته للتسعير وللتداول على عقود الغاز المسال، ففي أمريكا يباع الغاز حسب تسعير مركز هنري هوب لتجارة الطاقة، وهو ما يجعل الأسعار تخضع لتقلبات السوق الداخلي الأمريكي أكثر مما تخضع إلى التفاعل بين العرض والطلب عالميا، أما في أوروبا وآسيا فيتم تسعير الغاز الأمريكي المسال حسب سعر الغاز الطبيعي بمركز هنري يضاف إليه تكلفة التسييل والنقل، أما في السوق الآسيوي فعادة ما يربط سعر الغاز المسال بأسعار النفط العالمية عن طريق معادلة مكافئ برميل النفط، وتعتمد قطر واستراليا هذه الآلية لتسعير غازهما في السوق الآسيوي، وقد يصل فارق السعر بين طرق التسعير إلى أكثر من 10 دولار للمليون وحدة حرارية. وقد كان ولا يزال عدم التوافق العالمي هذا على طريقة واحدة لتسعير الغاز مصدرا للخلافات بين الدول المصدرة والمستوردة بل وحتى مصدرا لإستنزاف ثروة بعض الدول من الغاز على يد الشركات العالمية الكبرى، و الأمثلة على ذلك كثيرة على سبيل المثال لا الحصر: ما حصل بين مجموعة بي جي البريطانية (BG Group) ودولة غينيا الاستوائية سنة 2007 م، و ما حصل بين دولة خليجية والصين سنة 2013.
(2)
حجم حصة بلادنا من العائدات
في بداية العام المنصرم وقع البلدين الشقيقين موريتانيا والسنغال على اتفاقية استغلال حقل الغاز " احميم الكبير" تقضي بمناصفة تقاسم إنتاج هذا الحقل المشترك بينهما، وقبل ذلك التاريخ كان كل من البلدين قد وقع على انفراد وبشروط تعاقدية مختلفة مع الشركات الدولية التي ستطوراستغلال الحقل، وقد استقر الأمر في نهاية المطاف على شركتي بريتش بتروليوم، و كوسموس، حيث وصلت حصة بريتش بتروليوم في منطقة الامتياز البحرية الموريتانية المحددة إلى 62%، و بلغت نسبة حصة كوسموس 28% ، و 10% للشركة الوطنية للمحروقات، أما في السنغال فقد بلغت حصة بريتش بتروليوم 60% بينما تبلغ حصة كوسموس 30%، و10 % تعود لشركة نفط السنغال. وحسب التصريحات الصادرة مؤخرا عن الرئيس التنفيذي لشركة بريتش بتروليوم السنغال فإنه من المتوقع أن يبدأ الإنتاج في الحقل المشترك بمعدل 2.5 مليون طن سنوياً من الغاز المسال على أن يصل إلى 10 ملايين طن في مراحل لاحقة، وإذا كان حجم الاحتياطي المؤكد للحقل القابل للاستخراج حوالي 450 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وعند الأخذ بعين الإعتبار أن كل 1380 متر مكعب من الغاز الطبيعي تعادل 1 طن متري من الغاز المسال، يكون الحقل قادرعلى إنتاج حوالي 327 مليون طن من الغاز المسال، وتعادل هذه الكمية حجم صاحبة أكبر إنتاج في العالم من الغاز المسال (77 مليون طن) لمدة حوالي 4 سنوات، كما تعني أن العمر الافتراضى للحقل يترواح ما بين 30 إلى 40 سنة حسب وتيرة الإنتاج أعلاه.
واعتمادا على ما ورد أعلاه، وعلى ما رشح من معلومات أخرى حول الشروط التعاقدية التي تصب في مصلحة بلادنا كطرف مانح للإمتياز، والتي من بينها نسبة الضرائب المطبقة على شركات الاستغلال، والتزايد التدريجي لنسبة بلادنا من عائدات الإنتاج وغيرها، وحسب تقديراتنا الأولية نتوقع أن يبلغ حجم عائدات بلادنا من تصدير الغاز المسال في المرحلة الأولى (مرحلة إنتاج 2.5 مليون طن) ما بين 170 إلى 300 مليون دولار سنويا على أن يرتفع حجم هذه العائدات تدريجيا ليصل خلال المرحلة الثانية (مرحلة إنتاج 10 مليون طن) مابين 1 إلى 1.3 مليار دولار سنويا هذا من جهة، ومن جهة أخرى عند مقارنة حجم الحقل وحجم المنصة العائمة لمعالجة وإنتاج الغاز المسال مع الحقول المشابهة في العالم ومحجم فرص العمل التي خلقتها هذه الحقول نتوقع أن يخلق هذا الحقل مابين 6700 و8400 فرصة عمل مباشرة.
إن التقديرات أعلاه قد تكون بعيدة عن الواقع طالما أنها بنيت على استنتاجات غير مباشرة من معلومات غير رسمية، وكذلك بناءا على الأسعار الحالية للغاز المسال في السوق الدولية، التي قد تشهد تخمة في المعروض نتيجة للطفرة في الإنتاج المتوقعة خلال السنوات الخمسة القادمة، مما قد يطرح أكثر من علامة استفهام بشأن مستقبل القدرة التنافسية للغاز المسال الموريتاني السنغالي، وكذلك بشأن حجم العائدات المرتقبة من تصديره، ومهما يكن تبقى الحقيقة مغيبة حتى تكشف الحملة الرئاسية القادمة عن الأرقام الحقيقية.
يتواصل إن شاء الله