"الارتفاع المشهود بوتيرة وحدّة الشتم والقذف في خطاب الكراهية البغيض الذي تحمله شبكة التواصل الاجتماعي و غيرها منذ مدة يعود لأسباب جمّة، تدور مجملها في فلك الصراع السياسيّ لمختلف الأحزاب والأيدولوجيات والتيارات المحسوبة على النضال الحقوقي، مما جعل من إعلام الكراهية أداة حرب وكسب"
لا خطاب للكراهية والدعوة إلى التفرقة يقوى أو يصمد أمام العدالة الاجتماعية. إنها صمام أمان الوحدة وضمان استقرار البلدان؛ حقيقة في صميم رسالة الإسلام، دين الحق، قد أدركتها كل الدول ذات الأعراق المتعددة والثقافات المختلفة التي طبقتها إيمانا أو اقتباسا لتجد من بعدُ أن اختلافها هو مصدر تعارفها وثرائها، لا سبب تشتت أو شقاء. وأما البلدان التي ما زالت ترزح، بشكل أو بآخر معلن أو مختف وراء ستائر الإعلان النظري والخطاب الأدبي، تحت وطأة زيغ الاعتبارات التراتبية المصطنعة وحصار الطبقية الظالمة القبلية والاثنية والتمييز في الحقوق وقد سربت عدوى ذلك إلى مجريات الحكم ودوائر تطبيقاته، فهي التي تضع نفسها عمدا على كف العفريت وغفلة في مهب الريح المتقلبة.
من هنا تتطلب الحصافة السياسية وبعد النظر التحليلي عندها في دوائر الأحكام والقدرة على التقييم والتقويم السليمين الفصلَ بين،
· مظاهر المطالبة برفع الغبن الاجتماعي الذي تعاني منه الغالبية العظمى من الشعب نظرا لعوامل كثيرة منها الضارب بجذوره في تجذر واستمرار اعتبارات اجتماعية ما تزال رغم كل التحولات عصية على التغيير، ومنها ما صنعته التحولات السياسية البالغة الخطورة التي عرفتها البلاد منذ استقلالها، والأخرى كالحرب التي وصمتها ثم شفعتها سلسلة انقلابات توالت كحبات عقد منفرط.
وإن رفض المغبونين والمهمشين والموصومين بالدونية للغبن أمام فرص التشغيل والتمويل والتكوين والتأطير، وحراكهم إلى المطالبة بالقضاء على كل ذلك من خلال استخدام المتاح من الوسائل والقنوات التعبيرية:
- الورقية،
- والمسموعة،
- والمرئية،
هي مطالبات جد مشروعة، بل وواجبة، تكفلها وتحميها، في حدود التزامها بالسكينة والشرعية، القوانينُ والديمقراطية ويفرضها الوعي بأحقية العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات تحت ظل ورعاية وعدالة دولة المواطنة والقانون من جهة،
· وبين خطاب الكراهية العنصري التحريضي على المجابهة بين مكونات الفسيفساء العامة للشعب والذي يقف وراءه، لأسباب عديدة، منها ما هو متعلق بحالات نفسية مرضية لدعاة التفرقة على أساس الاختلاف العرقي واللون واللغة، ومنها كذلك ما هو متعلق بغواية القلاقل والبلابل والصدام تُستثمر لجني ثمار مادية رخيصة وللحصول على بعض نفوذ في دوائر التحريض ونصيب من ريع استخدام آلياته من جهة أخرى، وهو الخطاب الخطير الذي يرتفع بوتيرة وحدّة الشتم والقذف في الخطابات ويعود لأسباب جمّة، تدور مجملها في فلك التناحر السياسيّ لمختلف الأحزاب والأيدولوجيات، ما جعل بالموازاة إعلامه أداة حرب وكسب لتتسع كراهية الخطاب في وقتٍ أصبحت فيه مجتمعات الفيسبوك وتويتر وغيرها من المجتمعات الإلكترونية الكثيرة بيئة خصبة لهواة الشهرة المجبولة والمعتمدة على الحقد ونبذ الآخر والتسلّق على حساب الفتن و الصدامات، من جهة أخرى.
ولإن كانت مسيرة رفض خطاب الكراهية ونبذه مبادرة نبيلة القصد، لا عذر لتخلف أي عنها، فإن أولوية الأولويات التي يجب أن تعقبها مباشرة هي المحاربة الفعلية لكل مسببات تنامي هذا الخطاب، ما ظهر منها وما خفي، محاربة حقيقية تبدأ بمواجهة القبلية في أشكالها الجديدة الذي يلبس ثوب المحاصصة الظالمة في التعيينات والتوظيف بالإيثار الظالم والاقصاء المدمر، مرورا بالتسيير الشفاف لمقدرات الدولة التي يعيث فيها المفسدون المحصنون في أسوار التقاسم بين الوجاهات من زمن ولى و رجال إهمال لا أعمال يكدسون أموال البلد و لا يبنون اقتصادا يرفع تحديات التنمية المتعثرة و متزلفة ليست هي الأخرى بعيدة عن تأجيج هذا الخطاب المرفوض بكل أشكاله.