تسابق خلال الأسابيع الأخيرة من السنة البارحة عدد من رموز الموالاة للدعوة "لاستكمال المسيرة"، وهم في الرمق الاخير من السنة يطالبون بعهدة ثالثة غير دستورية للرئيس الحالي، ورغم أن تلك التظاهرات قد خف صوتها، إلا أن البعض ذهب حد الدعوة لتجنيد هؤلاء لتعديل الدستور، وهي الدعوة التي وصفت بدعوة النصب والاحتيال، ولا يوجد لها أي مبرر أخلاقي ولا قانوني ولا يرضاها دستور البلاد الذي وضعوه وأكدوا أن لا تمديد إلا في حالة الحرب.
الحالة تحيل لما يتندر به الجزائريون على أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة سيفعلها ويترشح المجاهد لولاية خامسة من القبر هذه المرة بعد تجاوزه العقد الثامن من العمر .
وفي موريتانيا أوضاع ضبابية في مشهد الانتخابات الرئاسية 2019، إلا أنه يمكن بلورة المشهد نحو اتجاهين إما التمديد للرئيس الحالي أو تقديم مرشح آخر للانتخابات كما صرح هو نفسه.
المؤكد أن حديث رئيس الجمهورية واضح تمام الوضوح، ولا يحتمل اللبس والتأويل، ولا تعدوا المبادارت المطالبة بمأمورية ثالثة سوى حفلات وداع للتأكيد أن النظام يرحل والشعب يطالب ببقائه حسب مشاهد تلك التظاهرات التي تعارضها اجنحة عديدة من الأغلبية تصفها بالفلكلور السياسي لدعاة المأمورية الثالثة التي يحظرها الدستور ويرفضها الرئيس نفسه.
وترى أقطاب آخرى بأنها محاولات يائسة من محيط الرئيس للبقاء في الحكم لأكبر وقت ممكن، كما أنها في حد ذاتها مؤشر على قرب نهاية مرحلة من تاريخ البلاد.
ولا شك أن دعوات المأمورية والتي بدأت تتجسد بشكل واضح من أعضاء في الحكومة والخرجة المثيرة لرئيس غرفة التجارة والصناعة والتي دعى خلالها لفرز لجان تطالب بتعديل الدستور، فهل نطق "ولد اعلية" عن هوى أم وحي أوحي إليه من السلطة ؟
الغريب أن مدير أعمال الرئيس الراحل اعل ولد محمد فال، والذي كان يصنف معارضا لوقت قريب بات ملكيا اكثر من الملك!
ورغم ذلك يبقى التساؤل مطروحا هل يفعلها الرئيس الموريتاني ويقسم للمرة الثالثة أنه سيحترم الدستور؟، بعد أن يتم خرقه بشكل "شرعي" من قبل الجمعية الوطنية التي يسطير عليها الحزب الحاكم في إجراء مخالف لتعهدات رئيس الجمهورية، وسياق الأحداث كما يقول مراقبون؟
أم أن الرئيس –وهذا هو المؤكد – سيحترم قسمه، وقد يلجئ لسيناريو النظام البرلماني الذي يعزز من صلاحيات الوزير الأول ويجعل من رئيس الجمهورية مجرد جسم بروتكوكولي كرئيس إسرائيل مثلا؟.
هناك اتجاه آخر يدفع بقوة في تجسيد المشهد الاقرب للواقع بالنسبة للأغلبية الحاكمة وهو ترشيح محمد ولد الغزواني أحد اركان النظام وصديق الرئيس، الرجل جنرال متقاعد وقائد الجيش خلال العشرية الآخيرة الاكثر ازدهارا في تاريخ المؤسسة العسكرية، وهو هادئ وصامت وتدور حوله الكثير من النبوءات لأنه ببساطة لا يحبذ الأضواء ويؤثر العمل في صمت ولم ينفي لحد الساعة ما يشاع عن ترشيحه من قبل النظام، بقدر ما سارع الجيش لنفى التمديد له بعد تداول مواقع الكترونية في بداية 2018 أن تقاعد غزواني تم تأخيره وهو ما بادر الجيش لتكذيبه عبر موقعه الرسمي في رد فعل غير اعتيادي يؤكد أن الرجل ينوي لعب دور سياسي بارز.
كما لا يخفي الدكتور مولاي ولد محمد لغظف طموحاته في الوصول للقصر الرمادي حيث ظل يكرر لبعض مقربيه أنه لن يمنعه من الترشح للرئاسة سوى ترشح الرئيس محمد ولد عبد العزيز نفسه.
وقد برز من جانب المعارضة بشكل جدي النائب البرلماني المنتخب بيرام ولد الداه ولد اعبيدي –الحاصل على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان- و الذي أكد في اكثر من خرجة إعلامية أنه يسعى للحصول على تأييد واسع من المعارضة لأنه ماض في ترشحه للرئاسة، موجها خطابا للرئيس الحالي أنه لا يقبل المساومات وكرر عبارة "بطني لا تملئه إلا الرئاسة".
فهل تنتج كل هذه الخلطة سيناريو آخر لم يكن في الحسبان، ولا ينجمه السياسيون والعارفون بخبايا السلطة التي لا صديق لها؟
وهل يمكن اعتبار أن الفشل والإحباط السياسي، وطغيان الآنا دفعت بأقطاب الموالاة للتشبث بقشة في محيط يقذف بعيدا بدعاة العهدة الثالثة، حتى انكشفت عورتهم السياسية؟أم أن السلطة تهمس في آذانهم؟