البزة الزرقاء / حمود ولد محمد الفاظل

بعد أسابيع من طلاء الأبنية والجدران وكنس الشوارع وترحيل القمامة الماكثة أبدا وسط المدينة!! بعد حملة توزيع لمواد غذائية "منتهية البراءة" !! وبعد حشد قبلي لافت توجته لافتات وخيام مضروبة في شوارع المدينة وكأنما هي حملة رئاسيات!! ... 

بعد تعبئة متواصلة اختلط فيها المهني بالسياسي وكرست فيها وسائل الدولة في وضح النهار! وبعد "استيراد" مشبوه للمدراء والوزراء والوجهاء ومن لف لفهم لدرجة سببت اختناقا مروريا في شوارع المدينة وهي الوديعة التي لم تخنق سيارة من قبل!!، بعد كل ذلك جاء خطاب الرئيس دون توقعات ساكنة المدينة وبدا مهرجانه مرتبكا حتى لكأنه مفبرك!

بدية مرتبكة:

لأول مرة لاتتحدث المدينة عن نفسها ، لايتحدث العمدة باسم سكان بلديته مرحبا ومقدما مشاكل المدينة، وفجأة وبدون مقدمات دخل الرئيس على الخط،تماما كما دخل تاريخنا فجأة ذات فجر من أغسطس!أخذ يتلو أرقاما كبيرة تحولت بسرعة بالغة إلى مليارات الأوقية ولأن الرئيس قرأ في عيون الحاضرين وفي ملامحم الأصيلة سؤالا واردا:أين كل هذه الأموال سيدي الرئيس؟ وأين صاحبي حسن! على طريقة أحمد مطر،طرح الرئيس السؤال نفسه على نفسه وأجاب ...وفي إجابته دخن!

لافتات معبرة:

لأول مرة في تاريخ مهرجانات الرؤساء تتفوق اللافتات الأصيلة المعبرة عن واقع الناس البسطاء على تلك المستوردة البائسة التي خطت خارج سياق الفقر والتهميش والظلم،لقد قرأ الرئيس أمامه لافتات تخط مشاكل الأساتذة والطلاب والبحارة وأهل الجديدة وأخواتها...وبدت لافتات أخرى كتبت فيها عبارة "الدعم اللامشروط" كسيحة ملتوية لاتستقر على حال من التعبير وقد لفها خجل لافت وهو مادفع السيد الرئيس لأن يعلن في وجوه أصحاب تلك اللافتات:أنزلوا لافتاتكم لأرى كل المواطنين وقد نسي أن أولئك الحاضرين لم يأتوا من أجل عيون الرئيس بل ليعبروا عن آمالهم المشنوقة وأحلامهم المغتالة بعبارات ديماغوجية مملة ماعادت تخدع أحدا.

البحارة الشجعان:

فقد كانوا في المقدمة ليصرخوا بالظلم الواقع عليهم ،لقد علمهم البحر أن يجهروا بأصواتهم فحين تحدث الرئيس قالوا بالحرف الواحد:كذب، كذب، كذب.. وهو مادفع الرئيس لأن يرد عليهم بمقولته الغريبة:أصحاب اللحى هم من يكذب أما أنا فلالحية لي ومع ذلك لاأكذب عليكم! البحارة سيدي الرئيس لم يحضروا لنقاش حول اللحى فليس هذا سياقه ولاالمتحث محله كل همهم أن ينصفوا من الظلم والتهميش الواقع عليهم في وطنهم لكن كيف ذلك وقد استقدم الرئيس عليهم أهل "الصين" يستنزفون مابقي من سمك المحيط!

 

مقاطعات مستمرة:

الرئيس في خطابه باغتته المقاطعات مرارا من الأساتذة والبحارة والطلاب وسكان الترحيل فحين أطال الحديث في العموميات وتصفية حسابات مع ابن عمه حتى لكأن كل حديثه كان موجها له ،فهو المفسد الوحيد! وهو المتضرر الوحيد من ارتفاع الأسعار!! حين كرر تلك العموميات ردد الحاضرون هذه عموميات سيدي الرئيس تحث عن مشاكل المدينة مما اضطر الرئيس مجددا لأن يخاطبهم :هذه عموميات لكن دعوني أكملها سوف أتحدث عن مشاكلكم...أحد الحاضرين كان أكثر جرأة حين ردد بصوت واضح تسرب إلى مسامعنا في غفلة من فنيي التلفزة المهره! فقال مرارا: "مان أمرحبين أبعزيز" مما أضطر أبطال البث المباشر أن يقطعوا الصوت وقد نسوا أن الصوت وصل وأن على التلفزة حين تتشجع لتغطي المهرجان بشكل مباشر أن تتحمل تبعات تلك "الشجاعة"!! وعليهم أن يعرفوا من الآن بأن "المباشر" أصدق من "الإعادة" ولاتزال التلفزة تصدق وتتحرى الصدق حتى تكتب عند الرئيس صديقة!!

أسنيم تدخل على الخط:

لاحظ الكثير من أبناء المدينة والعارفين بأحوال التعبئة والحشد دخول شركة أسنيم بكامل ثقلها ، بحافلاتها وإمكانياتها في التعبئة للسيد الرئيس مما دفع أحد الحاضرين لأن يقول : هذا مهرجان أسنيم! وهي سابقة جديدة في تاريخ المؤسسة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون!!

تلك خمس من  الملاحظات السريعة أعلم أن التلفزة الوطنية لن تعرضها، طبعت مهرجان الرئيس وهو في مجمله يذكر بخطابات ولد الطايع في آخر عهده بعد شبه كبير معه في طريقة الحشد والتعبئة. الجديد فقط أن الناس كسرت حاجز الخوف وأخذت تقاطع الرئيس علنا وبصوت حاد ، حتى أن بعض الشباب كانوا عند منصة الإنعاشات الفنية قبل مقدم الرئيس وكانوا يستمعون لأغاني "أولاد لبلاد" بعزفها الثوري وكلماتها الناقدة وفجأة قطعت الأغاني ليأتى بالفنانة كرمي بنت سيداتي فما كان منهم إلا أن رفضوا ذلك ورموها بالحجارة!وهو تطور لافت في الحراك النضالي والثوري الذي ينتصر أخيرا على الأغاني الناعمة المد جنة! فما عادت تطرب سمعه تلك الأغاني حتى ولو كانت صاحبتها بنت سيداتي!

كنت قد همست قبل أسبوع للسيد الرئيس أن يؤجل زيارته للمدينة أو ينساها للأبد فمشاكل أهلها منسية وما بعد الهمس من حديث، أما وقد حضر الرئيس وخطب في الناس خطابا طويلا فإنه يمكن القول أن سيادته لم يحمل إلينا من شيء له علاقة بالمدينة سوى لون "بزته" الزرقاء إنها تماما مثل زرقة المحيط!!!.

30. نوفمبر 1999 - 0:00

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا