يافخامة الرئيس خطاب الكراهية يحارب من الداخل .. لا بالشعارات والمسيرات / محمد الامين باباه ديداه

لايخفى أن خطابات الكراهية والتحريض التي شب عليها ، وشاب بعض مثقفي هذا الشعب وأطره ، لا تخدم الشعب بأكمله ، ولا السلطة ، ولا هما معا ؛ لكن البعض اتخذها مجالا تكسبيا ، ينتظر منها الحصول على قوته اليومي ؛ مما جعله يخدمها بكل مالديه من قوة ،ويدافع عنها بكل الألفاظ والعبارات الساقطة ، وفهم ذلك - مؤخرا - آخرون ، وحاولوا أن يلعبوا دورهم بركوب الموجة ليستفيدوا من تلك الكعكة الخارجية والداخلية .
والمتاجرون بهذا الخطاب لم يكونوا من شريحة واحدة ؛ بل برزوا من كل الشرائح ؛ لكن الأمر الأخطر أن أولئك الثلة من أبناء الوطن يعيشون ويتكسبون على حساب أمن واستقرار الشعب الموريتاني ، وربما لا يفهمون خطورة الأمر ، ولا يدركون سوء عواقبه على الشعب الموريتاني عموما ، وعليهم خصيصا؛ لأنهم هم الذين يغذون ذلك الخطاب ، وهم المؤججون والمحرضون على عليه . 
وأصحاب ذلك الفعل ، ومن يسيرون على خطاهم ، هم أو المتضررين منه ، وسيذوقون طعمه لا محالة !

ياليت من يمنع المعروف يمنعه * حتى يذوق رجال مرة ماصنعوا 

متناسين ومتغافلين أن كل مايتعرض له أي مواطن موريتاني من ظلم ، وغبن وتهميش ، تتحمل السلطة الموريتانية مسؤوليته ؛ ويجب أن يكون صراعه معها ؛ لا مع أي عنصر أو شريحة أخرى .

ولم يلاحظوا أن المطالبة برفع الظلم عن المظلومين قضية عادلة وعلى الجميع أن يتبناها ؛ لكنهم أساؤوا في سبيل طرحها ولم يوجهوا رسالتهم المأساوية للجهة المعنية بها إداريا. 
بل وقعوا في مقارعة الظلم بالظلم ، والتجني على الآخرين ، وجعلهم طرفا في قضية هم منها براء ، ولم يكن لهم دور فيها لا من قريب ولامن بعيد !

والغالبية اليوم من أبناء الوطن لو كان لها من الأمر شيئا لقامت بانصاف الجميع ، ولقررت توزيع العدل والمساوة بين كافة المواطنين ، لما تتوق إليه ، وتحلم به ، وتدعو له من ضرورة وجود دولة مدنية حديثة تستقطب الجميع ، ويرى الجميع فيها ذته ، ولونه وعرقه ورأسه...

لكن المسؤولية الجسيمة في ذلك واللوم الأشد فيه ، يقعان على عاتق الدولة الموريتاتية المتجسدة في السلطة الحاكمة من أفراد البظان ولكور ولحراطين ولمعلمين وإيكاون . ..
فكل ماوصلت إليه الدولة اليوم من فساد في الخطط ، ونهب للثروات ، وتفليس للشركات والمؤسسات ، و نهب للأموال ، وبيع للمنشآت ، وتغيير للرموز ، وطمس للتاريخ ، والتطاول على المقدسات الدينية ، وزرع للأحقاد ، وبث للكراهية بين أبناء الشعب الموريتاني ، وتدشين للمشاريع الوهمية الزائفة ، فهو بفضل سياسات الظام الحالي ، الذي صنفته غالبية الشعب ، ونادت بأن فترة حكمه ، هي أسوأ فترة عرفتها البلاد ، على جميع الأصعدة ، سواء اقتصاديا أو تنمويا أو تعليميا أو صحيا أو أمنيا. أو غير ذلك. 

من هنا يكون الإعلان عن مسيرة الأربعاء التي تدعي أنها تحارب خطاب الكراهية من طرف من بيده النفوذ ، ويتولى مقاليد السلطة ، وزمام الأمور غير مفهوم إلا في إطار تحقيق مآرب شخصية لهذا النظام. 
وهو أمر دون حالاته التي سيوصف بها أنه ضرب من الضحك والسخرية ، واللعب على عقول المواطنين !

لو كانت الدولة حقا تريد محاربة خطاب الكراهية ، و تدعو للسلم الأهلى والاجتماعي ، وتهدف لتقوية اللحمة الاجتماعية، وتعزيز الوحدة الوطنية ، ونشر ثقافة التآزر ، وبث الروح الأخوية بين كافة مكونات الشعب الموريتاني .
لعالجت الداء من الداخل ، و لصححت مسارها الخاطئ من قلب الحدث ، ولحاربته خطاب الكراهية بما يلي:
1 - فتح فرص العمل أمام الجميع : فالغالبية العظمى من الشعب الموريتاني عاطلة عن العمل ، بما في ذلك أصحاب الشهادات العليا منها . 
2 - تخصيص حصص معتبرة من الوظائف كتمييز إيجابي خصيصا للفئات المهمشة والمظلومة تاريخيا(لحراطين ).

3 - توفير ضمان صحي مجاني في الأحياء الهشة التي تعيش غالبيتهم تحت خط الفقر ، مثل سكان آدوابه ، وبعض ساكنة البوادي.
4 - توفير تعليم مجاني مكثف لأبناء آدوابه ، والمحتاجين لذلك من أبناء الشعب الموريتاني، وهذه نقطة مهمة لأنها كفيلة بالتحاقهم بركب المجتمع ، ومسايرته تأهيليا . 
5 - فرض التعليم الابتدائي على كافة أبناء الوطن ، وخصوصا أبناء لحراطين ، ومن في مرتبتهم من أبناء الشرائح الأخرى، وبالطبع تلك خطوة جبارة يحتاجها المجتمع لما يشهده من عزوف وإدبار عن الدراسة ، وما ينتشر فيه من تسرب مدرسي بشكل فظيع . 

6 - سن قوانين تجرم ، وتحارب التجمعات القبيلة المعلنة ،والمبادرات الداعمة والرافضة باسمها. 
7 - وضع تشريعات وقوانين صارمة ، تحارب أي خطاب عمومي عنصري باسم جهة أو شريحة أو طائفة.
8 - تساوي الجميع أمام القانون ، والوقوف بإصرار أمام تطبيق القوانين تطبيقا حرفيا لا يؤثر عليه النفوذ والقرابة والمال والجاه ؛
فما دام لا يتساوى أمام القانون الرئيس والوزير والمدير والبواب ، وبائع الرصيد ، وراعي المواشي مثلا ، 
فلن نصنع دولة مدنية متطورة ؛ بل سنواصل السير نحو الحضيض والهاوية ، والتأزم وزرع المشاكل. 

9 - إعادة ترميم للدولة الموريتانية ، ومؤسساتها وسياساتها التخريبية ، مادام ذلك ممكنا ، ومازال الوضع تحت السيطرة ، حتى لا تحتاج قريبا لإعادة تأسيسها بأكمله. 
10 - توزيع العدل والمساواة على كافة أفراد الشعب الموريتاني بجميع شرائحه وأطيافه وأجناسه. 

11 - خلق بنى تحتية حقيقية بمعايير دولية ، وبعيدة من المشاريع الوهمية التي دأب هذا النظام على ذكرها و الإعلان عنها ، وتدشينها فقط . 
12 - العمل على إصلاح التعليم ، والرفع من مستوى المنتسبين لقطاعه ماديا ومعنويا. 
13 - توفير الأمن والاستقرار للشعب في الشارع ، وفي المنازل ، وخصوصا تأمينه من عمليات السطو المسلح الذي تقع في كل ليلة وفي جميع الأحياء ، ولن يتحقق ذلك إلا بتحسين ظروف رجال الأمن وجنوده . 
14 - إصلاح الحقل الصحي ببناء المستشفيات ، واكتتاب الأطباء ، ومحاربة تزوير الأدوية الفاسدة ، وإخضاع الجميع لسلطة قوانين المهنة وتشريعاتها.

15 - توفير المعاش ، والتغذية لآلاف الأسر الضعيفة ، والعاجزة عن توفير لقمة العيش لها ، ولأبنائها الذين يتضورون جوعا ، وخيرات بلدها وثرواته يعبثون ويترفهون بها آخرون في كافة دول العالم. 

إن تحقيق هذه النقاط ، أو العمل على ذلك بشكل جدي كفيل بمحاربة خطاب الكراهية ، وتحقيق الوحدة الوطنية بين مكونات هذا الشعب. 

وفي حالتي التغاضي عن نية النظام في هذه المسيرة ، وإذا كان ولابد للبعض - من الموظفين بسبب سلطة الترغيب والترهيب - حضورها فينبغي أن يكون ذلك مشروطا بتحقيق بعض المطالب المتعددة ، والتي من أهمها:

* عدم المشاركة في مثل هذه المسيرة ، إلا إذا وجدت ضمانات وتعهدات تؤكد عدم تسخير ممتلكات الدولة وتجييشها لحامية رئيس الجمهورية ووزراءه ، و موظفيه ، وترك المواطنين بلا أمن أو أمان على غرار ما وقع لمشجعي منتخبنا الوطني. 
* لا ينبغي حضورها إلا إذا تم التأكد من عدم وجود دعاية في تلك المسيرة لفخامة رئيس الجمهورية ، أو حزبه ، أو نظامه العاجز عن تسيير البلد . 
* عدم المشاركة إلا إذا تم إلزام الجميع ، بعدم رفع أي شعار سوى العلم الوطني .
* لا يمكن قبول دعوة مسيرة الأربعاء إلا إذا حضر الرئيس ، ووزراء ، وجميع أفراد حكومته مشيا على الأقدام ، وبطرق تشعرهم بسواسيتهم مع الجميع . 
* لاينبغي تلبية هذا النداء الساخرإلا إذا كان نداء وطنيا بامتياز !
وبالتأكيد تلك الشروط والضوابط لن يتم تحقيقها ؛ بل سيخرج النظام فيها على المألوف بعينات جديدة من التمصلح والفساد والتملق والنفاق ، وسيرفعون الشعارات الزائفة الداعية لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ، ويرددون الكلمات الفارغة ، ويطالبون بما هو أشد وقاحة من المطالبة بالمأمورية الثالثة ، والترويج لذلك ، ومحاولة إقناع الرأي العام ، والتأثير عليه وإيهامه ، بأن ذلك مطلبا شعبيا لدى الجميع ، ضاربين عرض الحائط بمشاعر الشعب الموريتاني ، متغافلين صمود الشعب ، وثباته على مبادئه ، وتمسكه بدستوره وأنه لن يتزحزح عن ذلك أبدا .
ويشير الواقع الملموس أن هذه المطالب السخيفة والمبادرات الزائفة تسيء بالتأكيد على فخامة رئيس الجمهورية ؛ لأنه صرح أكثر من مرة باحترامه للدستور ؛ ونرجو أن يلتزم بتصريحه وعزمه على تلك النية . 

وخصوصا أننا نتمنى له الخير ، والعيش بالصحة والعافية مع الأهل والأقارب ، وفي أحضان الوطن العزيز. 
وبالنظر إلى تجارب بعض الرؤساء الذين لم يحترموا مبدأ التناوب السلمي للسلطة نجد حالهم غير مبشر ، ومصيرهم غير محمود ؛ ولا نرضاه ، ولا نحبه لفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز ،
فالشعوب اليوم تفرض وجود مبدأ التناوب السلمي على السلطة شاء من شاء أو أبى من أبى. 

أما تلك الدعايات والمبادرات فلا تعدوا كون أصحابها منافقين مردوا على النفاق والتملق لكل رئيس ؛ ففعلوها للذين سبقوك ، ولامحالة سيفعلونها للذي سيأتي بعدكم .
من هنا يافخامة الرئيس ، كن يقظا فطنا منتبها حتى لاتقع فريسة ، وضحية بسبب الكلام المعسول لهؤلاء الأعداء ... لاينبغي الرضوخ و الإصغاء لصراخهم أو نباحهم ، أو صهيلهم أو نعيقهم ؛ لأنه لم يكن في مصلحة الشعب ولا مصلحتكم ، ولا كيان الدولة. 

ورغم قلة ما أنجزتم - ربما بسبب فساد بطانتكم - فإذا احترمتم الدستور فيكون لكم شأنا عظيما و سيبقى اسمكم محفورا في ذاكرة التاريخ .

ونرجو منكم يا فخامة رئيس الجمهورية أن تكون حكومتكم لديها شجاعة ، وتقِرّ أمام الجميع بعجزها عن إرساء ، وبناء قواعد دولة مدنية حديثة ، يتساوى فيها الجميع أمام القانون ، ويجد فيها الكل حقه ومستحقه ، وتسود فيها ثقافة العدل والمساواة...
وأن حكومتكم لم تنظم هذه المسيرة إلا بسبب عجزها عن تقديم أي خدمة ، أو فائدة للشعب الموريتاني سوى التظاهر لمجهول!

وأن تعترف حكومتكم بأن فترة حكمكم هي أسوأ فترة عرفتها البلاد ، ربما لأنكم في بداية حكمكم كنتم مغرورين ببعض ديناصورات الفساد من رموز نظامكم ، وبعد تأكدكم من فسادهم وإفسادهم ، لم تستطعوا إخراجهم من اللعبة...
إن فعلتم ذلك فستكون حكومتكم مميزة ، وسيكون شخصكم الكريم قائدا ملهما ، ورمزا تاريخيا وسيُلزِم تصرفكم احترام الجميع ، وستكسب التقدير والإجلال والتوقير .

#حراس_السلم_الأهلى_والاجتماعي.

8. يناير 2019 - 0:41

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا