قراءة لبعض مضامين خطاب السيد الرئيس في مسيرة نبذ الكراهية
خطاب السيد الرئيس الذي ألقاه أمام حشود مسيرة نبذ الكراهية تطرق إلى عدة مواضيع ذات صلة بالوحدة الوطنية والأمن والاستقرار والتنمية وتضمن تحذيرا ووعدا ووصية:
التحذير: حذر السيد الرئيس من مخاطر الغلو والتطرف والكراهية والعنصرية على أمن واستقرار البلد،
الوعد: وعد بمستقبل زاهر لموريتانيا وللشعب الموريتاني في الأفق القريب إن شاء الله،
الوصية: أوصى السيد الرئيس وصية مؤثرة نابعة من تجربة واقعية حيث قال في ختام خطبته:" وصيتي الأخيرة لكم هي التركيز على التعليم ففيه يكمن الحل لجميع ما يعترضكم من عقبات". وبغض النظر عما تحمله هذه الوصية من دلالات رمزية عميقة علمها من علمها وجهلها من جهلها، فإنها تستدعي منا نحن أصحاب الاختصاص والاهتمام بقضايا التربية مزيد تفكير في طرق إصلاح منظومتنا التعليمية الموريتانية.
الوضعية الحالية لنظامنا التعليمي
لا يختلف اثنان في أن واقع التعليم اليوم في موريتانيا غير مرض البتة وأن المدرسة قد تعطل دورها المتمثل في تكوين شخصية المواطن الموريتاني القادر على المساهمة في بناء وطن ينعم فيه الجميع بالعدالة والكرامة والعيش الرغيد.
إن أهم حقيقة استخلصتها من عملي في الهيئات المعنية بقطاع التعليم هي أن جل اهتمام الشركاء سواء من الإدارة الوصية أو من الشركاء الماليين والفنيين قد انصب على جانب واحد من الجوانب المتعددة لقطاع التعليم وهو البنى التحتية ونسينا في خضم ذلك الجوانب المحورية في العملية التربوية وهي التلميذ والمعلم.الاهتمام بالبنية التحتية المدرسية كان من نتائجه أن اتسعت الطاقة الاستيعابية لمؤسسات التعليم مما يسمح باستقبال جيل كامل من الأطفال في المدرسة العمومية. ورغم ذلك فإن فجميع المؤشرات الموضوعية تحذرنا من التدهور المستمر للتعليم في بلدنا والتي من تجلياتها المباشرة والصادقة تدني مستويات التلاميذ بل والمعلمين أيضا.
مؤشرات مستويات التلاميذ
فقد أثبتت نتائج التقييمات التي تم إخضاع التلاميذ لها، أن جودة التعليم تشهد تدهورا غير مسبوق. إذ تشير نتائج تلك الاختبارات أن نسبة النجاح لم تبلغ 35% في كل المواد والأمر أدهى في الرياضيات حيث لم تتجاوز النسبة 8.5 %. كما دلت تلك النتائج على تدني كبير في المستويات في اللغات. ولا شك أن نسبة النجاح في المسابقات تعكس تدني المستويات المذكور آنفا. ففي السنة الدراسية 2015-2016 لم تتجاوز نسبة النجاح 26% في مسابقة ختم الدروس الابتدائية، 29% في مسابقة ختم الدروس الإعدادية، و15 % في الباكولوريا.
مؤشرات مستويات المعلمين
أما المعلمون فرغم كثرة عددهم إلا أنهم في الغالب لا يمتلكون الكفاءة المهنية ولم يستفيدوا من التكوين الجيد. فنسبة 60% منهم فقط هم الذين استفادوا من التكوين في مدارس تكوين المعلمين. وأما في التعليم الإعدادي، فإن المدرسة العليا للأساتذة لم تكون إلا 219 أستاذا في التخصصات العلمية على مدى ست سنوات بينما كانت الحاجة تدعو إلى تخريج 720 أستاذا. والأدهى والأمر من ذلك هو المستوى اللغوي للمدرسين الذي يبعث على القلق. فقد أفصحت نتائج التقييم عن أن 14% فقط من المدرسين الذين أخضعوا للاختبار يمتلكون المستوى المطلوب لتدريس اللغة العربية، وأما اللغة الفرنسية فقد كانت النتائج كارثية حيث لم تتجاوز نسبة الذين يمتلكون المستوى المطلوب 04% من أولئك الذين أخضعوا للاختبار.
مؤشرات تشرذم التعليم
ولعل من أقوى المؤشرات اليوم على تدهور التعليم العام هو ما نلاحظه من نمو للتعليم الخاص. وهذه المؤشرات هي من الخطورة بمكان، إذ ربما تشير إلى تشرذم النظام التعليمي وانقسامه إلى جسمين: التعليم الخاص ويرتاده أبناء المواطنين القادرين على تحمل نفقاته، والتعليم العام ولا يرتاده إلا أبناء الطبقات الفقيرة. ويستثنى من هذه الظاهرة جيوب متفرقة وهي التي تسمى مدارس الامتياز.
نظرة استشرافية
لا نحتاج في الواقع إلى كبير عناء لتطبيق نظام تعليمي يمتاز بالجدة والأصالة والفاعلية ذلك أن الأنظمة التعليمية الناجحة معروفة اليوم وما علينا إلا أن نأخذ منها ما يتناسب مع خصوصيتنا الموريتانية.وانطلاقا من التشخيص آنف الذكر فإن علينا أن نعمل على تصحيح المسار في الجوانب التالية:
ضمان فرص متكافئة للولوج إلى تعليم عام ذي جودة: أن نعيد للمدرسة بريقها وجاذبيتها لكي نجذب إليها أطفالنا وذلك ممكن إذا تمكنا من توفير تعليم لائق ومحفز للتحصيل.
تحسين تكوين ومهنية المدرسين: بما أن المعلم هو أحد ركائز العملية التربوية، فعلينا أن نوليه اهتماما مضاعفا من حيث التكوين أولا ثم المتابعة ثانيا ثم وتوفير الوسائل التحفيزية الضرورية بعد ذلك من أجل أن نضمن التزامه بأداء مهمته بمهنية عالية.
ترقية وتعزيز تعليم العلوم: دلت الدراسات الاستشرافية على أن مهن المستقبل لما بعد 2040 ستكون كلها مرتبطة بالتكونولجيا (الروبوتيكRobotics،البيانات الضخمةBig Data ، الذكاء الصناعيArtificial Intelligence ، البلوكشينBlock Chain )، فعلينا أن نهتم بالتكوين العلمي للمعلمين الابتدائيين و الأساتذة المتخصصين في التعليم الثانوي والسهر على توفير قاعات الأعمال التطبيقية والتجهيزات وقاعات المعلوماتية.وبذلك نتيح لأجيال المستقبل تكوينا ملائما للعصر الذي ستعيش فيه وليس لعصرنا الذي نعيش فيه نحن الآن والذي سيتغير جذريا بعد حوالي عشرين سنة.
إن أول خطوة في مسار إصلاح اختلال نظامنا التعليمي، حسب رأيي، هو أن تأخذ الدولة بزمام الأمور وأن تتولى حصريا توفير تعليم أساسي ذي جودة عالية. ويمكن تنفيذ هذه الاستراتيجية وفق مقاربة تدريجية تراعي الوضع القائم لكنها تتقدم تبعا لخطة عمل محكمة مبنية على أهداف واقعية و مؤشرات عقلانية.
د. محمد الأمين حمادي
أستاذ بجامعة نواكشوط
مهتم بقضايا التربية والتعليم