“ثوار” موريتانيا.. كانوا أحرص الناس على حياة.. / سيدي محمد ولد ابه

 

altاستسمحكم فأنا مضطر للمغادرة لعيادة جرحى المنسقية” كلمات “خالدة” لأحد قادة المعارضة “الثائرين” لحظات بعد تدخل قوى الأمن ليلة فض الاعتصام الأول قرب مسجد ابن عباس.. في صباح اليوم الموالي اكتشف المعتصمون أن رئيسهم “الثوري” كان يريد مغادرة المكان فقط، فقد وصل وحيدا إلى المستشفى وقبل وصول الجرحى المزعومين.. هي إذن أفضل الطرق للهروب من المواجهة..

تذكرت هذه الحادثة وأنا أتابع عملية تفريق المسيرة المتجهة إلى وزارة الداخلية للتنديد بـ”القمع” الممارس على القوى المعارضة في البلاد.. تجمهر العشرات عند مخارج المسجد الجامع، وأعلنوا النفير في اتجاه الهدف، وعلى الميمنة والميسرة رجال طالما شنفوا أسماعنا بالحديث عن الثورات والبطولات والصمود الأسطوري.. لحظات ويصل الموكب “الثوري” إلى مباني وزارة التنمية الريفية سابقا على بعد 100 متر فقط من مكان الانطلاقة.. فجأة يظهر رجال الأمن، ويطلقون قنابلهم الصوتية.. ينفض الجميع “الكريم”.. تتطاير الأحذية والهواتف النقالة والعمائم.. ويفر المرء من أخيه وقائده وشيخه الذي سيدخل على يديه الجنة.. انتهى كل شيئ في لمح البصر..
كانت أول جمعة في مسار “الرحيل” الذي يبدو أنه سيطول بسبب حرص قادة المعارضة ومنتسبيها و”مناضليها” على الحياة.. إذ لا أحد يريد أن يضحي، الكل ذهب من بيوته بنية العودة، وربما أكد على ذويه ضرورة الاحتفاظ بغدائه إلى أن يعود، وتلك خاصية لا توجد إلا في “ثوار” موريتانيا وحدهم..

طبعا ليست هذه دعوة للعنف والعنف المضاد، لكنها ملاحظة يجب الوقوف عندها، فإذا كان “ثوارنا” الجدد يؤكدون في كل المناسبات أن موريتانيا ليست استثناء من العالم، وأن رياح “الربيع” التي هبت على ليبيا ومصر وتونس لابد أن تصل إلى هذه الأرض، فقد بات من المؤكد القول- بعد كل هذه الوقفات والاعتصامات- أن موريتانيا تشكل استثناء بالفعل، بل وحالة فريدة في العالم، و”الثورة” التي ينادي بها البعض لن تقع في المستقبل المنظور ولا في غير المنظور.

والعلة – ببساطة- تكمن في عجز “الثوار” الموريتانيين عن تحقيق أحلامهم “الجميلة” لأنهم يختلفون جذريا عن نظرائهم- إن وجدوا- فما السر الذي يجعل “ثوار” تونس وليبيا ومصر وسوريا واليمن يموتون في سبيل الباطل الذين يدعون إليه، بينما لايصاب أي من “ثوار” موريتانيا بجرح ولو كان طفيفا، رغم “قدسية” الرسالة التي يحملون، إلى الحد الذي جعل أحدهم يتساءل متهكما: “لماذا تمر جمعة “غضب” الموريتانيين وحدها دون ضحايا؟؟”

حتى الآن نظمت المعارضة العديد من المسيرات والمظاهرات والاضرابات والاعتصامات لـ”المطالبة بالرحيل” وهي كلمة تحمل في ثناياها تناقضا طريفا، إذ يفهم منها أن المعارضة تتوسل لرئيس الجمهورية أن يغادر السلطة، وشتان بين من يطالب، ومن يفرض تنفيذ مطالبه..
طيلة هذه الأحداث لم يصب أحد بجراح، وحتى أولئك الذين “هربوا” إلى المستشفيات بحجة أنهم مصابون، كان يفترض فيهم أن يعودوا إلى الشارع من المستشفى مباشرة، لا إلى مخادعهم الوثيرة، هذا إن كانوا ثوريين حقا.. أما والحال هذه فإن قادة المعارضة اليوم مجبرون على الاعتراف بالعجز عن الدفع بالبلاد إلى حيث يريدون، وعليهم أن يعودوا من حيث أتوا، فتلك أزكي لهم وأنفع..
إن “الثورة” التي يتحدثون عنها مازالت فكرة طوباوية، وربما ستظل كذلك إلى أن يغير هؤلاء ما بأنفسهم، أو يٌستبدلوا بقوم آخرين، لن يكونوا أحرص الناس على حياة..

تلك هي المعضلة التي يجب على القوم أن يبحثوا لها عن حل..

26. مايو 2012 - 13:56

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا