شهد الاقتصاد الصيني خلال العقد الأخير طفرة اقتصادية كبيرة حيث حقق معدل نمو إجمالي يفوق %100 في الفترة مابين 2007 و 2017 وهو مايعني أن الصين كانت تحقق في المتوسط معدل نمو سنوي فوق %10 ، وقدر ركزت الصين خلال هذه الطفرة الاقتصادية على التصدير أو ما يسمى ب made in china حتى استطاعت أن تبني احتيطايات تقدر ب 3000 مليار دولار ، وهو ماجعلها تحتل الترتيب الثاني كأكبر اقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية بل إن تجاوز الاقتصاد الصيني لنظيره الأمريكي أصبح مسألة وقت فقط حسب ما يعتقد بعض الاقتصاديين.
لكن وعلى الرغم من هذه القفزة الاقتصادية المعتبرة إلا أن الصين كانت عرض للمزيد من الانتقادات في مجال المناخ نتيجة لتركيزها في ثورتها الصناعية على الفحم الحجري وهو أحد أكثر أنواع الوقود الأحفوري تسببا في الانبعاثات الكربونية وهو ماجعل البعض يربط بين التغير المناخي والطفرة الصينية .
في ظل الانتقادات الموجهة للصين فيما يتعلق بالانبعاثات الكربونية جاء الحديث أيضا عن هشاشة الاقتصاد الصيني الذي يرتكز على التصدير أي أن الاقتصاد الصيني أكثر ارتباط بالطلب الخارجي من نظيره الداخلي وهو ما يطرح ايضا العديد من الاشكاليات حول مرونة واستدامة هذ النموذج الاقتصادي المبني على التصدير ، وهو ما استدعى التحول إلى اقتصاد خدمي يأخذ في أولوياته الطلب المحلي ، وكأن الاقتصاد الصيني يريد أن يتحول من اقتصاد صناعي يصدر لأسواق خارجية إلى اقتصاد خدمي مرتبط بالاستهلاك الداخلي.
بالفعل باشرت الصين الاستهلاك وبعد أن كانت تركز على استيراد النفط ، النحاس ، خامات الحديد........أصبحت اليوم تريد زيادة استيرادها من اللحوم ، الألبان و المنتجات الزراعية وذالك من خلال استثمارات ضخمة لشركات صينية في دول ذات مقدرات معتبرة في مثل تلك المجالات مثل دخول شركة بولي هونك دونك إلى مجال الصيد في موريتانيا ، ودخول شركات صينية أخرى إلى السودان تحت شعار لننتقل من صنع في الصين إلى زرع في السودان ، بالإضافة إلى زيادة الطلب الصيني على اللحوم البرازيلية والألبان انيوزلاندية.
من الواضح أن الصين اتجهت إلى الاستهلاك وتصدير الخدمات بدل السلع التي تتطلب صناعات تحويلية ربما تتسبب في المزيد من الانبعاثات الكريونية ، وهو ما يمكننا أن نلمسه ونستشعره من خلال دخول شركات صينية صغيرة ، متوسطة وكبيرة الحجم في السوق الموريتاني وفي مجالات مثل : صناعة اللبن ، محلات تصفيف الشعر ، محلات غسيل الأفرشة ، الصيد ، الموانئ ، الطرق ، الصرف الصحي و تشيد المباني الحكومية في الوقت الذي تراجع توسع البقالات الصينية التي تسوق سلع صينية وهو مايؤكد أن الصين أصبحت تريد التركيز على تصدير الخدمات بدل السلع وذالك بسبب الضغوط الدولية المتعلقة بالانبعثات الكربونية.
من المعروف أن الانتقال من نظام إلى نظام آخر دائما مايصيب المنظومة العامة في البداية بنوع من الشلل أي أن الانتقال من اقتصاد صناعي إلى آخر خدمي ربما سيؤدي إلى تباطئ في عجلة النمو خاصة أن القطاع الخدمي وكماهو معروف لايخلق فرص للنمو مثلما تفعل الصناعة هذ بالإضافة إلى الإجراءات البيروقراطية التي يتطلبها هذ التحول الهيكلي في نمط الاقتصاد.
إذا كانت الصين تعودت على تحقيق معدلات نمو فوق %10 خلال السنوات الفائتة فقد أصبحت اليوم بالكاد لا تتجاوز %6 نتيجة لهذ التحول الحاصل في نمط الاقتصاد ، وبما أن التباطئ يؤدي إلى ضعف في ربحية الشركات فإن الشركات الصينية أصبحت مهددة هي الأخرى بالتخلف عن سداد ديونها وهو ماينذر ايضا بانفجار فقاعة دين في الاقتصاد الصيني بعدما تجاوز الفقاعة العقارية خاصة أن تلك الشركات مرتبطة ببنوك محلية لا تريد أن تجد نفسها في مثل تلك الوضعية.
في ظل التباطئ الحاصل في الاقتصاد الصيني من جهة وفي ظل ارتفاع المديونية لدى الشركات من جهة أخرى كان لابد من خروج تلك الشركات إلى خارج الصين للبحث عن فرص استثمارية توفر الكاش أو السيولة الازمة وهو ما تمثل جزء منه في عمليات استحواذ كبيرة لشركات صينية وفي قطاعات حيوية حول العالم ، ولم يتوقف الأمر عند ذالك بل أعلنت الحكومة الصينية عن إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية برأس مال يقدر ب 100 مليار دولار ، حيث تنوي الصين من خلاله تقديم خدمات مالية للدول النامية بعيدا عن المؤسسات الدولية التقليدية ، وهو مايجعلني أخلص بالسؤالين التاليين : هل الصين أصبحت تصدر الخدمات إلى الاقتصاد العالمي وذالك في إطار التحول الهيكلي المنشود ؟ أم أنها أصبحت تصدر الديون من خلال تلك الشركات والمؤسسات حتى تتفادى فقاعة ديون تتجاوز ضعفي حجم اقتصادها ؟