لقد مرت بلادنا بمراجعات دستورية افضت فى نهايتها إلى تحصين بعض مواد الدستور ،فحددت المأموريات وبَوَبت إلى عدم دعم أي مبادرة ترمى إلى مراجعة أو تعديل الدستور من طرف الرئيس ولكن المتتبع لمبادرات المُطالبة بالمأمورية الثالثة وفيلق النواب المطالبين بتعديل الدستور سيدرك حتما أن جهات نافذة وعليا وراء هذه الأصوات ،ولو كان الرئيس لايريدها ولا يرغب في أن تكون لما كانت ولكن يبدو أن الرئيس ورغم تكراره مرارا وتكرارا عدم الترشح ودعمه ترسيخ الديمقراطية يبدو أنه يدعمُ ويُباركُ هذه البلبلة والتشويش ولو بصورة غير مباشرة ظناً منه أنه ينأى بنفسه عن دعم أي مبادرة ترمي لتعديل الدستور كما نـصَّ الدستور على ذلك في مواده المحصنة المُحدِدة للمأموريات واحتراما لليمين الذي اقسم لمـَّا تولى منصب رئيس الجمهورية ، ولكن عُذرا سيدي الرئيس صمتكم واستِىْناسُكم ومتابعتكم لهذه المبادرات في رأيي ليس بريئا ولا حياديا وإنما يدخل فى صميم الدعم والمباركة ونَسفِ مشروع التناوب السلمي فقد كان من الجدير والأوْلى أن تخرج عبر وسائل إعلام الجمهورية آمرا لا طالبا بوقف أي حِراك ٍ _قد يُعكر صفو الإجماع الوطني رغم أن لأصحابه الحق فى توجهاتهم واختياراتهم–أي مشروع أو حراك يُنافى ويتنافى مع الدستور ،كما كان من الأوْلى على نوابنا المحترمين الذين انتخبهم الشعب صوتا له أن يتقدموا بمشروع لإصلاح منظومتنا التعليمية المتهالكة ومراجعة برامجها واختلالاتها والوقوف على نواقصها ومعالجتها من أجل بناء جيل قادر على رفع التحديات ومواكبة التحولات لأن إصلاح التعليم ضرورة ومطلب وحاجة ،عليهم أن يسعوا لتعزيز ثقافة الحكم الرشيد والتناوب السلمي بعيدا عن التشبث بحاكمٍ حدد الدستور فترته ،نحترمه ونحترم له مأمورياته التى نص عليها الدستور ولكن لانقبل التمديد له ولانربط مستقبل أُمة به ولا بغيره ،فالرسول عليه الصلاة والسلام وهو افضل خلق الله بَلَّغ وبعدها توفي ولكنه ارسى دعائم مشروع الدولة الإسلامية وتواصلت الفتوحات من بعده ،فقد بلغت الدولة الإسلامية فى عهد بعض الصحابة ذروتها وتطورها وفي العهد العباسى تطورت العلوم والآداب والفن المعماري ولذلك كُثُرٌ هم مَــنْ يسيرون على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويتأسون به ويقتبسون من سيرته نرجوا أن نكون وإياكم منهم ، علينا أن نعى بحكمة وعقلانية أن التشبث بزيدٍ او عمرو او المطالبة برحيله قفزا على الدستور لايخدمنا ولايخدم أمننا ولاتنميتنا.
وبإختصار يجب أن نحترم الدستور ونصونه ونصون المُحصن منه والقوانين وأن نُراعي ظروفنا الوطنية والإقليمية والدولية وحجم التحديات والمخاطر المُحدقة ،كما يجب أن نُراعى أيضا إجماعنا موالاةً ومعارضة ومستقلين حول المسائل السياسية المصيرية الخِلافية إلا لضرورة مُستعجلة وبطلب ورغبة جامحة من الشعب وليس بإعازٍ من شخص أو ثلة قليلة تخدم مصالحها وامتيازاتها قبل أن تخدم المواطنين فحينها لكل مقام مقال .
إن بناء الدولِ وتعزيز وترسيخ دولة المؤسسات لايمر عبر الاستبداد والدوسِ على القوانين والدساتير وربط مصير الدولة بشَخْصٍ بعينه وحصرَ خيارات التناوب والديمقراطية فى زاوية حادة .