تابعت كغيري حلقة من برنامج تلفزيوني على شاشة محلية يتحدث عن مشكل خطاب الكراهية وكيفية تجاوز العقبات الاجتماعية الحالية، سواء تلك المتعلقة بمخلفات الإرث الإنساني أو تلك التي قذفت بها ظروف أخرى.
مرات عديدة تناهى إلى مسامعي ووثقت بأم عيني مداخلات مفيدة تشتمل على أفكار تقدمية وتستند في محورها على تجارب معاشة وتوثيق إيجابي لمجريات الماضي.. اتسمت بالإنصاف وإيجابي الاعتراف الشيء الذي لا يخلو من التطلع لغد أفضل عنوانه المحبة والسلام وطريقه السالك؛ المساواة والتآخي واحترام الآخر، وفي فقرات متفرقة من هذه الحلقة، كان العكس حاصلا والتخبط ظاهرا وخلط الأفكار وعدم التوفيق في ترجمتها وترتيبها سائدا.
حجم الحضور كان أكثر من اللازم وذاك ضبطه يصعب إن لم يستحيل، هذه أمور أدت إلى انعكاسات أساءت إلى البرنامج وأدت في كثير من الأحيان إلى الخروج عن المألوف والابتعاد عن تحقيق الأهداف المرجوة التي يأتي في طليعتها تطويق خطاب الكراهية والقضاء عليه وتشخيص المشكلات الاجتماعية وتقديم الحلول الناجعة لها.
كان الخطاب انكشافيا توتيريا وكانت المداخلات صدامية إلى حد بعيد، وهنا علينا أن نفهم أن تجاوز كل هذه المعيقات والوصول إلى دولة المواطنة الجامعة يقتضي فعلا الإنصاف والاعتراف ووضع اليد في يد الآخر؛ حبا ومساواة وندية، لا استعلاء ولا تسفيها وتقزيما، لكن قبل ذلك كله يقتضي الأمر الرجوع قليلا إلى تاريخ البشرية الذي يقدم الدروس والعبر ويهتدى به إلى الأسباب التي يشترط في نجاح المعالجات أن تبدأ بمعرفتها؛ تأسيسا لا استئناسا، وهنا لابد من معرفة أن الإنسان عبر العصور والأزمان تعرض لظلم أخيه الإنسان، فكان منطق القوة هو الحكم وكانت التجارة والاستغلال هي العنوان، باع الإنسان أخوه الإنسان ظلما وقهرا، وكان للمرأة حظها الوافر العاثر، فلقد استغلت أيما استغلال ونظر إليها كثيرا بدرجة عالية من الازدراء والاحتقار، فكان الأقدمون يعتبرونها كسقط المتاع تباع وتشترى في الأسواق، وكانت تلاقي أشد العذاب عند بعضهم، وينظر إليها من هم في فلكهم أنها تغسل السعادة والمال وتسبب الويلات والحروب، ويعتبرونها جارية تباع من طرف أهل زوجها بمجرد موته، وكان غير أولئك لايرى لها الحق في العيش بعد موت زوجها، وكانت عند البعض تحرم من الميراث وإذا مات زوجها صارت ملكا لابنه الأكبر يبيعها كإحدى الدواب..
لم تكن لعنة الاضطهاد تطال المرأة فحسب، ولم تكن سياط جلاديها القذرة، وحبال الوحوش الممتهنين لها تقتصر على الضعفاء ومن تقطعت بهم السبل فحسب، بل كانت شر بلية عرفتها البشرية، لم يسلم منها الأنبياء و لا أبناء من كانت لهم حظوة وجاه ومال، وعن الفقراء والمستضعفين حدث ولاحصر ولاحرج!.
لقد جار العادون على نبي الله يوسف عليه السلام وباعوه في سوق النخاسة؛ وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم كما قال نبينا عليه الصلاة والسلام، وهو الذي أوتي شطر الحسن، ودانت له الأرض بعد ذلك..
لقد اكتوى بنار القهر والامتهان العرب الأقحاح كزيد بن حارثة رضي الله عنه، وطالت بنيرها من كانوا سادة قومهم كسلمان الفارسي رضي الله عنه؛ الذي كان أبوه دهقانا، ولم يسلم منها الروم فهذا صهيب رضي الله عنه وغيرهم كثير.
وعند مجيء الإسلام كان هو المخلص والمنقذ من كل هذه الجاهلية الجهلاء، فحرم الشرع بيع الأبناء الذي كان سائدا عند بعض الأحباش نظرا للفقر والحاجة، وحرم الاستيلاء بفعل القوة، سواء على الرفقاء كماحدث لسلمان، أو غارة وغلابا، كما حدث لقوم زيد.. ولم يبق من باب يمكن أن تدخل منه العبودية غير باب الحرب العادلة وهي الحرب المقدسة التي تجمع بين مختلفي الملة مع المسلمين هدف المسلمين هو إعلاء كلمة الله ونشر دينه، وهدف غيرهم طمس نوره والقضاء عليه، والاستمرار في استمراء أكل لحم الإنسان والعبث بعرضه تحت قانون القوة وفق شريعة الغاب.
علينا أن نفهم جميعا، رؤساء أحزاب كنا، أو رؤساء منظمات، أو قادة رأي، أو أصحاب تحرك ونشاط، علينا أن ندرك جميعا أن لنا دينا جامعا هو دين الإسلام، الذي خلص البشرية من كل الويلات واللعنات، وأتى بالعدالة والمساواة، لم يبارك يوما امتهان الإنسان لأخيه الإنسان لا على أساس لون أو انتماء وكان من فهموا رسالته بحق يؤاخون من حملوا عليهم السلاح عند وقوعهم في قبضتهم التي تصيرهم بته الحالة رقيقا لهم، كانوا يشربون كأن الحرية نقيا صافيا إن هم أسلموا؛
فظهرت كنتاج لذلك مشاهد تفسر إخاء الإسلام وإكرامه للإنسان، ولنا على مر العصور أدلة وشواهد، فلقد كان سادة التابعين من الأرقاء السابقين؛ بعلمهم وعملهم واحتضان الاسلام لهم..الحسن البصري، طاؤوس، عطاء بن أبي رباح، ربيعة الرأي..وغيرهم كثير، كما كان للعجم مكانهم بعلمهم وعملهم دون إقصاء أو انتقاص، البخاري،سبويه..والقائمة تطول،
فالإسلام إذا هو مخلص البشرية وتعاليمه الثابتة؛ بعيدا عن تأويل الجاهلين وغلو الغالين هي الملاذ والخلاص من تبعات وملحقات كل مانعاني منه اليوم والذي يتطلب لتجاوزه تلبية أول نداء رباني من المولى عز وجل عبر جبريل عليه السلام (إقرأ) للنبي صلى الله عليه وسلم، فبالعلم نتعلم الواجب ونعي ونفهم ونتعامل بنجاح، وبالعدلة التي يضمنها الإسلام وعليها تسير الشعوب التي تنشد السلام والاستقرار نرضى بحالنا ونعيش بسلام وأمان.