قبل ألف ومائتي عام، كتب أبوعثمان الجاحظ رسالته الشهيرة في فضل السود على البيض، والتي كانت بعنوان: «فضل السودان على البيضان». وقبل ثلاث سنوات من الآن، وقف أحد أعضاء الكونغرس الأميركي وعبَّر عن أسفه لأن «السود قد سادوا». كما أن البرلمان الموريتاني أصدر قوانين قبل ثلاثة أشهر «تجرم العبودية وممارساتها». مما يعني أن البشرية حتى الساعة لم تتغلب بَعْدُ على قضية العِرْق، رغم قدم هذه المعضلة وكثرة التنظير حولها.
وفي هذه الأيام، يدور اللغط في أميركا لأن شاباً أسود السحنة يمشي بخطى وئيدة في اتجاه قلعة البيض: البيت الأبيض. فهل مازالت أميركا، رغم ما أسيل فيها من حبر حول المساواة، عاجزة حتى عن التصويت لأحد أبنائها لمجرد أنه ولد من أب أسود؟
لا يوجد في الساحة السياسية الأميركية من يعلن صراحة أنه يرفض التصويت للرجل لمجرد لونه، أو لأن أباه جاء من كينيا، لكن العارفين بهذا المجتمع يقولون إن هناك رقماً صعباً صامتاً من المواطنين البيض الذين لا يتحملون أن يجدوا «أسود» يدخل البيت «الأبيض».
ويبدو أن حساسية العرق هذه هي التي أدت إلى ظهور نتائج مضللة فيما يتعلق بشعبية الرجل في استطلاعات الرأي. إذ كانت هذه الاستطلاعات قبل انتخابات نيوهامشير تمنحه أكثر من ثماني نقاط أمام هيلاري، لكن عندما انقشع الغبار تبين أن المستطلعين أعطوا مواقف لا تعبر عن ضمائرهم، تحرجاً من أن يوصموا بشيء من العنصرية، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.
لا يجد معارضو رئاسة أوباما كبير عناء في الانتقاص من أهليته للأمر. فعمره السياسي عبارة عن أربع سنوات قضاها شيخا (سيناتوراً) لولاية إلينوي، إضافة إلى أنه «لا خبرة لديه نهائياً في السياسة الخارجية، والتي تحتاج أميركا رئيساً ضليعاً بها في عالم ما بعد 11 سبتمبر».
ويبدو أن «لعنة اللون» تطارد الرجل حتى بين بني جلدته. إذ يذكر أندرو سوليفان في مقاله بعدد ديسمبر 2007 من شهرية «ذي أتلانتيك» (The Atlantic) أن حظوظ أوباما غير مشجعة حتى وسط الناخبين السود «فبعض السود لا يتصورون وصول رجل أسود إلى البيت الأبيض، وبناء على هذا التصور يرفضون التصويت له حتى لا تضيع أصواتهم سدى».
لكن، ورغم الحضور الملحوظ للعوامل التي تمنع الرجل من الوصول إلى البيت الأبيض، فإن هناك كثيراً من العوامل التي قد تجعله أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية.
إذ يرى كثير من الأميركيين أن الطريقة المثلى لهزيمة الإرهاب وتحسين صورة أميركا في العالم الإسلامي هي السماح لأوباما، ذي الأصول المسلمة وصاحب اللون الأسمر، بدخول البيت الأبيض، حتى يكون «وجهه» أكبر رسالة من المجتمع الأميركي للمسلمين، مضمونها أن أميركا خيّرة ولا تعادي الناس لكونهم مختلفين عنها. لذلك تكثر وسط ناخبي أوباما عبارة: «انتخبت أوباما لوجهه». فسحنته أكبر رسالة للآخر.
يبدو أن حظوظ الرجل قوية وسط الطبقة المثقفة. إذ تشير استطلاعات مركز بيو(Pew Research Center) إلى أن «حظوظه وسط خريجي الجامعة أعلى من هيلاري بكثير»، بينما تتقدم عليه هيلاري وسط أولئك «الذين لم يدخلوا الجامعة قط». ومن الطبيعي أن يكون خريجو الجامعة في أي مجتمع هم صناع الرأي فيه، والمحركون لعناصر التاريخ داخله.
وقد كتب ميشل براون في الواشنطن بوست (15/1/2008) أن «فئة الشباب والمثقفين من الحزب الديمقراطي تدعم أوباما، بينما تقف فئة كبار السن والأقل تعليماً وراء هيلاري».
فهل سيتمكن الأميركيون من التغلب على إشكالية العرق واللون، ويدفعون بشاب حيوي أسود البشرة إلى حديقة البيت الأبيض؟ لا شك أن أبا عثمان الجاحظ حينها سيتململ جذلاً في قبره، ولا شك أن ذلك سيشكل دفعة قوية للبشرية في طريق تجاوز إشكاليات العرق واللون.