مع أنّني لا أمتلك معلومات كافية عن أسماء جميع الأحزاب الموريتانية، فإنّ هذا العنوان لا يشكِّل (في شِقه الثاني) واقعًا حزبيًّا قائمًا في بلادنا، ولذلك فقد وضعتُ أمامه علامة استفهام.
ولمّا كانت الفكرة الرئيسة لهذا المقال، تدور حول فكرة تأسيس حزب سياسي قويّ تنصهر فيه القوى الديمقراطية المعارِضة، واستئناسًا بمقولة: الكتاب يُقرَأ من عنوانه، فقد أردتُ أن يُفهَم المقال من عنوانه.
يوجد في موريتانيا-في الوقت الراهن-عدد هائل من الأحزاب السياسية (أكثر من 100 حزب) !، وهو عدد كبير لا يتناسب مع عدد السكان الذي يقدَّر بأربعة ملايين نسمة.
تتفاوت هذه الأحزاب من حيث إمكاناتُها، وعددُ المنتسبين إليها، وقدرة قياداتها وهياكلها على التأثير، لدرجة أنّ بعض هذه الأحزاب لا يُعرَف إلّا بذكر اسم رئيس الحزب، وبعضها لا يذكره ذاكر إلّا في فترات الاستحقاقات الانتخابية.
يترتب على هذا الوضع، أن يقف القائمون على هذه الأحزاب وقفة تأمّل من أجل وضع تصوّر لاستشراف المستقبَل، مستفيدين في ذلك من تجارب الماضي ومعطيات الحاضر.
مع احترامي الشديد لهذه الأحزاب ولقرارات القائمين عليها، فإنني أقترح عليهم التفكير في اتخاذ إجراءات تقضي بجمع هذه الأحزاب في حزب واحد قادر على المنافسة وكسب الرهانات السياسية في المستقبل. ولعل الاستحقاقات الرئاسية للسنة الجارية (2019م) تكون فرصة مناسبة لاتّخاذ إجراءات في هذا الاتجاه. وقد يكون الاتفاق على مرشح واحد، لبنة مهمة في هذا الإطار.
يبدو اليومَ- في المشهَد السياسي الموريتاني- أنّ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (على الرُّغم من التحفظ على بعض سياساته وتصرفات بعض هياكله وخلاياه)، هو أكبر هذه الأحزاب وأقدرها على حصْد أصوات الناخبين. وقد يكون من المناسب للأحزاب التي تسمى "أحزاب الأغلبية"، أن تنصهر في الحزب. وذلك على غرار ما أقدم عليه بِأَخَرَةٍ، حزب الوئام الديمقراطي الاجتماعي.
ينبغي-في المقابل- للأحزاب التي تشكِّل المعارضة الديمقراطية، أن تتجمَّع في حزب قويّ واحد (تحت الاسم الذي تراه مناسبًا). وقد يختلف الاسم-طبعًا- عن الاسم المقترَح في عنوان هذه الخواطر (أهل مكة أدرى بشعابها).
لا مانعَ، بعد وجود حزبين سياسيين قويين، من وجود بضعة أحزاب أخرى ذات مرجعيات مختلفة (مع ملاحظة أنّ البضع في العدد: من ثلاثة إلى عشرة). بمعنى أنه لا ينبغي أن يكون عدد هذه الأحزاب كبيرا.
يشار-في هذا المجال-إلى أنّ الحزب السياسي، بصرف النظر عن التعريفات المختلفة التي تحدد ماهيتَه وأهدافَه، هو تنظيم قانونيّ يستهدف الوصول إلى السلطة في الأنظمة الديمقراطية. لكل حزب برنامجه السياسي والاقتصادي والاجتماعي. يرشح الحزب الشخص الذي يراه مناسبا، ويجنّد ما لديه من إمكانات بشرية ومادية من أجل نجاح مُرشَّحِه/ أو مُرَشَّحِيه. غير أنه من اللافت للنظر في البلدان السائرة في طريق الديمقراطية-ومنها موريتانيا-أنّ الحزب يتكون حول رئيس الدولة الجديد ويتفكّك بعد مغادرة هذا الرئيس!
لقد دأب بعض المعارضين السياسيين في بلادنا-وفي غيرها من الأنظمة المشابهة-على إطلاق اسم "حزب الرئيس" على أيّ حزب يحكم (بدلا من: الحزب الحاكم)، لأنه-في نظر بعضهم-حزب يتكوَّن حول كل رئيس جديد ويتبنى منهجه في الحكم ويدافع-دون قيد أو شرط-عن آرائه وتوجُّهاته. وبمجرد انتهاء حكْم الرئيس السابق، يتفكّك الحزب (تفكّك قطعة ثلج تعرضت للحرارة) وينزل المنتسبون إليه إلى الشارع، رافعين شعارات مؤيدة للرئيس الجديد (بصرف النظر عن الطريقة التي وصل بها إلى الحكم). وفي هذه اللحظة، يبدأ تأسيس حزب جديد حول الرئيس الجديد. وقد لا يكون للحزب الجديد من جديد، سوى التنكر للرئيس السابق المنتهية ولايته وتسخير كل الجهود والإمكانات لتنفيذ رغبات الرئيس الجديد!
أقترح على الإخوة الكرام المسؤولين عن الأحزاب السياسية في موريتانيا، أن يفكّروا جيّدًا في مقتضيات المرحلة السياسية القادمة (ولا شك في أنهم قد فعلوا ذلك). ولعلهم يركّزون في المستقبَل على تنفيذ برامج الحزب التي لا تقتضي-بالضرورة-التعارض مع توجهات الرئيس القادم، محتفظين في الوقت نفسِه لكل رئيس سابق بالاعتراف بما تحقق في عهده من منجَزات.
وفي إطار استشراف المستقبَل والتخطيط له، ينبغي العمل على بلورة الأفكار الواردة في كلمة السيد الرئيس/ محمد ولد عبد العزيز، أمام المشاركين في مسيرة دعم الوحدة الوطنية (في التاسع من شهر يناير 2019م) التي ركز فيها على ضرورة الاهتمام بالتعليم ورص الصفوف ونبذ التفرقة والعنف والتطرف.
وفي ذلك، وفي غيره من الأفكار المفيدة، فليتنافس المتنافسون، موالاةً ومعارضةً.
والله ولي التوفيق.