قريبا جدا من هنا، في ضاحية العاصمة داكار المجاورة، تنعقد هذه الأيام النسخة الثالثة للمؤتمر الدولي حول إقلاع إفريقيا، الذي ينظم هذه السنة تحت شعار “الإقلاع، القطاع خاص والاندماج”. ويشارك في هذه الدورة التي تنظمها الحكومة السنغالية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، بشراكة مع البنك الدولي والبنك الإفريقي للتنمية، عدد من رؤساء الدول والحكومات من أنحاء العالم، وممثلون عن المؤسسات الدولية والمقاولات، إضافة إلى الأكاديميين والخبراء.
ويشكل هذا المؤتمر رفيع المستوى أرضية لتبادل الآراء، تهدف أساسا إلى مواكبة ديناميكيات التحولات الهيكلية الجارية في الدول الصاعدة، من خلال التركيز على تضافر وتنسيق الخبرات وتقاسم الممارسات المثلى في هذا المجال، وكذا تحفيز نقاشات عميقة من أجل تفعيل أمثل لمخططات الإقلاع الإفريقي؛ كما يسعى المؤتمر إلى تحيين المعارف حول هذه الديناميكيات، وتعزيز الريادة الجماعية بين كل من الدولة، والقطاع الخاص، والساكنة، بغية تنسيق تدخلات جميع الفاعلين، وتجديد الحوار بين القطاعين العام والخاص، وتعزيز قدرات الفاعلين، ولاسيما الإدارات المكلفة بقيادة مخططات الإقلاع في البلدان الإفريقية.
ورغم مشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات، إلا أن نجم هذا المؤتمر كان بلا منازع، الدكتور مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، الذي أكد في مداخلته على أهمية تضافر ثنائية الاستقرار السياسي والحكم الرشيد من أجل تحقيق التنمية، منوها بالحاجة الماسة إلى إرساء تعاون وثيق بين الحكومة والقطاع الخاص.
وقد سبق للدكتور مهاتير محمد، أن تولى رئاسة الحكومة في ماليزيا لمدة 22 عاما قبل أن يترك منصبه في سنة 2003، بعد أن نجح في الإقلاع ببلده إلى مصاف النمور الإقتصادية الآسيوية، ثم عاد مؤخرا لتولى رئاسة الحكومة في بلاده مرة أخرى، بعد فوز تحالفه في الانتخابات التي جرت في شهر مايو من العام الماضي.
في هذا السياق، هناك عدة أسئلة تطرح نفسها بالنسبة لبلادنا. فمثلا، أين تقع موريتانيا على خارطة إقلاع القارة الإفريقية؟ وهل يوجد أصلا تخطيط استراتيجي عندنا لتحقيق هذا الهدف؟ ثم لماذا اختارت موريتانيا الرسمية تقليص تمثيلها ومشاركتها في هذا المؤتمر الدولي الهام؟ في هذا الوقت بالذات؟ وفي هذا المكان بالذات؟ فهل انتهت "السياسة الإفريقية" لموريتانيا بمجرد أن مرت بسلام قمة الاتحاد الإفريقي في انواكشوط العام الماضي؟ أم هل بدأت تظهر الثغرة الدبلوماسية التي قد تكون تركها قرار إلغاء الحقيبة الوزارية التي كانت مخصصة للعناية بملف الشؤون الإفريقية لدى وزارة الخارجية والتعاون؟
قد يقول قائل بأن موريتانيا الرسمية مشغولة هذه الأيام بالقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية المتزامنة في بيروت.. أو بقضايا أخرى كثيرة قد تمليها طبيعة المرحلة الحالية، لكن الدبلوماسية فن رفيع يقتضي دائما الحرص على رعاية "شعرة معاوية" من خلال تنمية ثقافة الإستمرار والتراكم.. والتوازن.. في تدبير العلاقات الخارجية والملفات الحساسة، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا كبرى ومصيرية.. يتعلق بها مستقبل البلاد.. مثل موضوع إقلاع القارة الإفريقية.. والحال أن موريتانيا تستعد لولوج عصر الشراكة الجوارية في مجال استغلال مصادر الطاقة المستكشفة حديثا..