مما لاشك فيه أن نجاح التعليم هو السبيل الأمثل للوصول إلى مفاتيح النهضة التنموية الشاملة والفعالة، ومما لايخفى على ذي بصيرة؛ ذلك الاضطراب والتذبذب الذي ظل يطبع المنظومة التربوية لعقود خلت، فلا هي وصلت إلى النتيجة المثلى والغاية العليا، ولاهي سارت على نفس النهج وحافظت على طبيعة التسارع في ذات المضمار.
لقد ظلت سياسة التعليم وإدارته تعاني عدم الاستقرار الضامن لكسب الرهان والحصول على أفضل النتائج المرجوة بفعل التغيير الدائم لمتجه المنظومة الذي تأثر بعدم ثبات المسار السياسي بشكل دائم، مما جعل القرار التربوي مضطربا تبعا لذلك في ظل تبعية التعليم المطلقة للمزاج السياسي وعدم فصلها عن تلك التبعية ولو جزئيا لدواعي فنية محضة.
إن الاجراءات والتدابير المتخذة لتحديد هوية أي إصلاح يستهدف المنظومة التربوية غالبا ما تعيق تقدم التعليم بفعل الصراع الوهمي بين ماكان وماينبغي أن يكون، وبفعل تسفيه السابق عادة وإن كان رشيدا وتزكية اللاحق وإن افتقر إلى مقومات ذلك.
إن كثيرا من الخطوات المصاحبة لغير ما إصلاح واحد كانت تعيد المنظومة إلى نقطة الصفر وتبدد الجهود وتثقل خطوات البداية الجديدة المرتقبة، فتارة تضرب الهوية الحضارية والبعد الديني وتارة تعزي الإعاقة للمحتوى أو المحيط التربوي وإن سلم الإثنان فلا سلامة للمدرس مهما أبلى من بلاء وقدم من جهد وعطاء.
إن ارتهان الجهاز الاداري للمنظومة التربوية في الحقب الماضية للقرارات السياسة بغض النظر عن وجاهتها وموضوعيتها ودون مراعاة للبعد الزمني وخصوصية الظرفية، كل ذلك شكل قوة كبح ومكمن إعاقة وإن ألبس ثوب الإنقاذ وقدم كرافعة.
من الملاحظ أنه في السنوات القليلة والقريبة الماضية حدثت تطورات إيجابية واكبت إعلان رئيس الجمهورية عن سنة للتعليم (2015)، لكنها لم تصل إلى المؤمل، ولم تعط النتيجة كاملة، وإن كان التخطيط للنهوض بالتعليم يقتضي التأمل والإشراك والموضوعية، والواقعية، والزرع المتواصل، والمكثف، ثم انتظار النتائج في الأفق الذي يسمح ببلورة ثمارها وإعطائها ناضجة، وهو ما لايمكن حصوله في ظرف وجيز؛ تغذيه روافد تطبعها الانتقائية والارتجالية.
كلنا يدرك أن مدارس الامتياز والمدارس النموذجية فكرة رائدة، وتجربة ناجحة أعطت أكلها في موضعها؛ الشيء الذي ينبغي أن يعم وينتشر، فحينما تكون أغلب مدارسنا بطبيعة وظبط ومميزات مدارس الامتياز سيكون التعليم عندنا رافعة حقيقية، وسيكون تقييمه مشرفا، وذكره، عالميا أولا، ثم إن المدارس الجمهورية التي يجد كل مواطن فيها ذاته، هي الخطوة الأهم نحو زرع المساواة في الأجيال ومحاربة الكراهية؛ إن استغل ذلك على الوجه المطلوب.
ومما لاشك فيه أيضا أن تغيرات هامة وبنى تحتية أضيفت إلى الحقل التربوي، لعل منها على سبيل الذكر لا الحصر منشأة جامعة انوكشوط العصرية، ومدارس المهندسين المتعددة ومراكز التكوين المتفرقة، بالإضافة إلى المدارس المشيدة في القرى النائية، والمنجزة من طرف وكالة التضامن..بالإضافة إلى إجراءات أخرى في مجالات عدة داخل قطاع التعليم وخارجه، ومنها تحديدا إعادة ضخ دماء النشاط والفاعلية في مرافق تربوية حيوية، كالمعهد التربوي الوطني الذي حظي في الآونة الأخيرة بعناية واهتمام كبير من القيادة الوطنية جعلت منه المرفق المضطلع بدوره في تأليف الكتب وتوفيرها، وإيصالها للتلاميذ في أدغال البلاد.
تأسيسا على الإيجابيات الحاصلة واستمرارا على نهج النهوض وتطلعا إلى حصول النتيجة المرجوة من مخرجات تعليم ناحح، علينا أن ننطلق في أي إجراء يستهدف المنظومة التربوية من التشاور مع التربويين الميدانيين وبإشراك فعال وتشاور مستفيض مع المدرسين الميدانيين والتأسيس على ذلك بعيدا عن التسليم للإملاءات السياسية التي قد لا تكون نابعة من إدراك تام لخفايا الميدان، وقد لاتجد صداها في الثقافة والانتماء والوجدان.