ذهبَ فلّاحٌ إلى جارهِ يلتمسُ منه حَبلاً لكي يربط حماره أمام بيته، فأجابه الجار بأنه لا يملكُ حبلاً، و نَصحَه أن يقومَ بنفسِ حركاتِ الربط حولَ عُنقِ الحمارِ، و يتظاهرَ بعملية ربطه و لن يبرحَ مكانَهُ، فَعمِلَ الفلّاح بنصيحة جاره، و لم يراوح الحِمارُ مكانَه.
في الصباح حاولَ الفلاحُ بكلِ قوتِه أن يركبَ على ظهر الحمارِ لينطلق إلى عمله، لكن الحمار لم يطاوعه، وبعد محاولات أصابَ الفلّاحَ اليأسُ، فعاد إلى جاره يَطلبُ النصيحة، فسأله هل تظاهرت أنك تحل رباطه..؟فرد عليه الفلاح باستغراب.. ليس هناك رباط، فأجابه الجار "هذا بالنسبة إليك أما بالنسبة إلى الحمار فالحبل موجود"... عاد الرجل وتظاهرَ بأنه يفك الحبل ثم قاد حماره دون أدنى مقاومة منه .. !!
إسقاطا لفكرة إيهام الحمار بوجود رباط حول عنقه، على واقعنا الوطني يُحاول سياسيون و إعلاميون منذ إعلان الرئيس عدم الترشح لمأمورية ثالثة، أن يُوهموا باستمرار الشعب بأنه غير قادر على إحداث انتقال ديمقراطي، و تناوبٍ سلمي على السلطة خارج مصالحهم و آراءهم الشخصية، و يربطون مخلية الشعب بأسماء مقربة من النظام الحالي، و يسوقون أفكارا مُرعبة و مقلقة عن مستقبل البلد، في حال انتخب الشعب غيرهم، و يطوقونه بحبال من الوهم مستمدة من حبل العسكر، تُعيقُ تفكيرَ الشعب و تَشلُ إرادته، في اختيار من سيحكم البلاد في عام 2019.
إن دعاةَ نظرية الرباط الوَهمي للشَعب يُحاولونَ جاهدين تقديمَ أسماءٍ و تلميعَ صورِها معتبرين أن هذا البلد، لا يوجد فيه غيرها و مُهللينَ للمؤسسة العَسكرية مشيرين إلى أنها مَنهلُ الرؤساءِ و أن المدنيين لا يصلحون لتولي كرسي الحكم أو أن الرئيس من صُنعهم و يقفون خلفه مما يبث خيبة الأمل في أي مرشح مدني من خارج المنظومة الحاكمة للبلاد.
في غضون ذلك شهدت بلدان عديدة إفريقية عمليات تناوب سلمي على السلطة، غادرت بموجبها شخصيات جثمت كثيرا على صدور الشعوب، بفعل وجود معارضات قوية، استطاعت الاتفاق على مرشح موحد خاضت به معركة الانتخابات الرئاسية، و تمكنت من الفوز و القطيعة مع الأنظمة التي تفردت بالسلطة لسنوات عدة، أما في موريتانيا و رغم اقتراب تاريخ إيداع ملفات الترشح، فإن خطوات المعارضة في سبيل محاكاة تجارب،نظيراتها في الدول الإفريقية، تبدو مقصرة لسبب بسيط، يقودنا إلى العودة إلى فكرة الرباط الوهمي، حيث كشفت الأحداث أن المعارضة رُبطت منذ انقلاب 2008 بحبل لفه الرئيس الحالي حول عنق قراراتها و صارت تتخذ مواقفها بناء على تصرفاته و الغريب أن الرئيس و رغم اتخاذه لموقف التخلي عن المأمورية الثالثة إلا أن المعارضة لم تعلم بالقرار، بل بقيت جاثمة في مكانها و كأنها تعيش في عام 2009 و تنتظر أن يتظاهر الرئيس بفك حبل العسكر حتى تستعيد قدرتها على التغيير و إحداث أثر سياسي حقيقي.
و لكي لا نظلم المعارضة فجميع من يعيشون على هذه الأرض لُفت حول أعناقهم منذ عهد التأسيس حبال متعددة منها المال السياسي و النفوذ القبلي و السلطة الدينية و الروحية ،فالقبيلة تطوق أطرها بهالةٍ من القداسة للنظام إن حاولوا تغيير قناعتهم و أبدوا نياتهم بالتصويت لغير مرشح النظام، و السلطات الإدارية تنحاز مجبرة إلى الدعاية لمرشح النظام، بل و تستخدم المال العمومي لترجيح كفته أحيانا و حتى الجهات المانحة تروج لمرشح النظام لتستمر مصالحها الاقتصادية فمن بقي ليَنتخب مرشح المعارضة أو ليدعم فكرة تغيير أركان النظام الحالي ؟
إن الإجابة على السؤالِ تتطلب معرفةَ إلى أي مدى يستطيع الشعب الموريتاني الآن أن يتخلص من الأربطة الملفوفة حولَ عُنقه منذ عام 1978 يوم طوق بيان الانقلاب بلدا بكامله و أفقد الناس الأمل في الحكم المدني، حتى و إن شكلت تجربة انتخاب الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله استثناءً سرعان ما عادت البلاد بعده إلى دوامة حكم المؤسسة العسكرية ، مما يُفسرُ أن النخب المثقفة و العامة لم تتخلصا من تأثير الحبل الملفوف حولهما من قبل ضباط الجيش.
لقد أثبتت الوقائع أن المعارضة الموريتانية عادة لا تتفق على مرشح موحد من بين أحزابها الممارسة للعمل السياسي، بل تكتفي بترشحات متفرقة، يسهُل على النظام تجميعها في الشوط الثاني، لتحقيق فوز كاسح بفعل تلبية بعض أحزاب المعارضة لنداء المكاسب المنصبية على حساب النضال الحزبي، في المقابل يُوزع النظام ترشيحاته بين أحزاب الظل بهدف تحريك الولاء القبلي و الجهوي مما يشتت القواعد الشعبية للمعارضة، لتستمر دوامة الرباط الوهمي الملفوف حول عنق الشعب، تستوي في ذلك النخب و العامة في مشهد يبعث اليأس في قلوب الطامحين إلى التغيير الحقيقي الجذري بعيدا عن حبل المؤسسة العسكرية و الدائرين في فلكها و العاشقين لنهجها فمتى يتحرر الشعب من حبلها القصير.