عندما فوجئ ساكنة انواكشوط بوجود عناصر نسائية يقمن بعمليات تنظيم المرور كانت ردات أفعالهم مختلفة من جذل بتنظيم المرور مهما كان الواقف وراءه – وكنت واحدا من هؤلاء- ومن مستنكر ومشفق على فتيات من لفح الشمس، ومن قائل إن هذا يسيء إلى المجتمع، أما أنا فكان من أول ما دار في خلدي هو الفرق البين بين صورة المرأة وهي تنظم المرور وصورتها التي أراها فيما يقرضه الشعراء وما يقولون عنها.
رحم الله شعراء نجد الذين كانوا يجوبون قفاره ويبكون دياره،و يدلجون من مربع لينتجعو في مصيف قربه، وبين هذا وذاك يقرضون أشعارا تقطر رقة وعذوبة في وصف محبوباتهم، ورحم الله تلك المحبوبات اللاتي كانت الواحدة منهن إذا مشت ” لكسر البيت تنبهر انبهارا” ، لذلك كان شعراء العرب يتفننون في وصف ” كسلهن” ورقتهن ويتفننون في خلع كل الصفات التي تعارض “الرجولة” و” الخشونة” عليهن.
فهذا غيلان مثلا يمدح محبوبته بأنها كانت ” لا تقارع الحجة بالحجة” ولا تعرف كيف تدافع عن نفسها، بل يستطيع أي أحد أن يتهمها بأي تهمة فإذا ما أرادت أن ترد تلعثمت وتحدر الدمع جمانا من مقلتيها….
بنفسي وأهل من إذا عرضوا له * ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
فلم يعتذر عذر البريئ ولم تزل * به سكتة حتى يقال مريب!
وأنا لا أدري مالذي سيقوله غيلان إذا ما علم أن المرأة أصبحت اليوم محامية لا تدافع وترافع عن نفسها وهي المظلومة المنال منها فحسب، وإنما تنبري بقبضة من نقود لتدافع عمن يدفع أكثر، وكأني بذلك الأعرابي – غيلان- ينتفض “كما انتفض العصفور بلله القطر” إذا ما علم أن هناك فتيات في عمر ” مي” و” سعدى” و”دعد” يقفن منتصبات في وسط مدينة ضوضائية في شهر يونيو تحت وهج الشمس ينظمن حركة مرورالسيارات.
وكأني به يتساءل: أين هي محبوبة الأعشى التي كان يمدحها بأنها
غراء فرعاء مصقول عوارضها * “تمشي الهوينا” كما مشي الوجى الوحل
كأن مشتها من بيت جارتها * مر السحابة لا ريث ولا عجل
فالأعشى يمدح محبوبته بأنها ” تمشي الهوينا ” أي أنها تمشي بطريقة متئدة أبعد ما تكون عن الخفة والحركية والقفز من مكان إلى آخر ورفع اليدين بطريقة آلية كلما أشار شرطي أن الجانب الآخر من الطريق قد فتح.
ما ذا كان سيقول سيدي محمد ولد الشيخ سيديا إذا ما علم أن البدويات اللائي كانت تضج بهن صحراؤه، وكان يصف حورهن ويمدح كسلهن قد فقدن حورهن تحت سياط الشمس،وتخلين عن “الحناء” ووضعن مكانها قفازات بيضاء أبعد ما تكون عن لفت خيال الشاعر وجذب انتباهه؟.
لقد كان الشاعر الشنقيطي يتفاءل خيرا بظهور ” الفتاة” فجأة انطلاقا من قاعدة ” ما أطيب اللقيا بلا ميعاد” أما اليوم فلعل ظهورها فجأة سيتحول إلى كابوس، فبدل التفكير في الغزل والرقة سينصرف التفكير نحو ” أوراق السيارة” و” تجاوز إشارة المرور الحمراء” و” مدى صلاحية فينت” بل ومتى ينتهي تاريخ التأمين…..فاحذر – أخي الشاعر- إذا ما رأيت فتاة في مقتبل العمر فقد تدهمك بأسئلة من هذا القبيل فكن جاهزا…
وأخرا أود أن أوضح أن هذا الرأي الذي أسطره هنا ليس رأيا معبرا عن نظري لعمل شرطيات قطاعر المرو، وإنما هو رأي الأدب، فأنا سجلت رأيي في الموضوع في منبر آخر، وكان في صالح تجنيديهن بشرط الاحتشام واحترام قيم المجتمع، إذ أنهن إذا ما التزمن بذلك سيكن إضافة نوعية قد تساهم في ضخ دماء قد تكون مفيدة في قطاع الشرطة الذي عانى طويلا من التعفن الإداري والفساد المالي.