البحث في التكامل الموريتاني ضرورة قبل أي ديمقراطية شكلية / باب ولد سيد أحمد لعلي

من غرائب الأمور التي حصلت كثيرا دون انتباه الجميع أن نخضع – طبعا أو تطبعا-  لقواعد سلوكية ذات بعد تاريخي عميق ، ترتبط بالوجدان وبالقيم وبالعقلية الاجتماعية ارتباط الرضيع بثديه ، وننسفها نسفا غير آبهين ، راكضين خلف أنماذج غريبة نحن منها براءٌ وهي منا كذلك ، غير مقدورةٍ لنا ولسنا لها بأهل ولا عشير ، ويستحيل بالتمام أن تلتصق بنا ، ولو تطبعنا بغير الذي لا يناسب أنفسنا شانها كثيرا ذلك وكان عليها وباء ، وإن أخدعتنا برهةٌ مظاهرها ، حالنا قديما ونحن نؤسس دولة غير واعين بحجم ما يجب أن تحمل من مسؤوليات وما يمكن أن تعبر عنه من قيم غير معروفة يجب أن تمثل الجميع ، وأن تكون لها ذاتا تعبر عنهم بطبعهم وقيمهم الخاصة ، تماما كما لا يجب لأحد أن يُلسق ملامح وجه أحدهم على وجهه ، أو يتقمص اسمه ويتصرف بمقتضى ما يعنيه.

كما أن ذلك أيضا حالنا عندما نجري وراء التعدد والديمقراطية بفكر لا يقبل الاختلاف وبعقول متحجرة لا ترى الآخر إلا من زاوية العدو لا الصديق الناصح ، ولا المخالف المكمل ، أو أن نرسخ قيما عصرية ونتجاهل الأساس الذي بنيت عليه ، وأن نصنع مجتمعا وطنيا ونحن في دولة الشرائح والتمثيل واللاتجانس .

ذلك ببساطة هو حال موريتانيا اليوم وما أكثر ما نسينا وما أقل ما يميزها من مسائل إيجابية قد تخول لحالم أن يرى مستقبل ما يلوح في الآفاق من بشائر الخير منعكسا على الناس ويُحل محل اللاتجانس والوئام ، ومحل الاختلاف التعارض التكاملي ، ومحل اللاتعدد واللاتوافق ، النظرة الثاقبة التي تنظر إلى الأشياء نظرة من زاوية المصلحة العامة وإن تعددت النواحي المؤدية إلى نفس اتجاهها .

نظرة بسيطة حول هذه الأسطر السابقة وما تحمل من دلالات تشي بأنواع مختلفة من ألم التشاؤم وإن كان الواقع لها داعمٌ يجعل المرء الغيور على وطنٍ يعرف أن جميع الموجودين لا يريد قبل مصلحته الخاصة له أي مصلحة له شئنا هذا أم أبينا، محط تساؤلات عديدة مختلفة هل نحن فعلا أهلا لما يسمى جُزافا بالديمقراطية؟ وما هي أهم ما حققت لنا من نتائج على كافة المستويات بما يفترض أن تحمل من قيم؟.

لسنا أهلا لها لأنها تخلق من الاختلاف رؤية تكاملية ، وهذا فينا بعيدُ المنال ، فالموالاة على اختلاف أحزابها وتعددها بالكثرة لا تقبل الاختلاف في شي ، وإنما دعم الرئيس هو الجامع لها ، والمعارضة التي ليس بين يديها ما يُسكت المتكلم ، وتشرأبُ له رقاب الطامحين والطامعين ، لا تقبل الآخر إلا بمقدار ما تخشى به على نفسها التشتت والزوال ، والحال الآن يغني عن السؤال ، آليات عدة ومعايير من أجل البحث عن مرشح هم يستحيل أن يتفقوا عليه من بينهم لاختلافهم ولأنانيتهم.

وموضوعيا أهم ما يمكن أن نعتبر أن الديمقراطية رسخته بجد في موريتانيا هو "حرية التعبير" لكن نظرة بسيطة لواقع تلك الحرية تجعلنا في دركٍ لا متناهي من الشكوك والتلعثمات ، نتيجة ما نسمع من شجبٍ وسبٍ وتجريح شخصي أو غيره لهذه الفئة أو تلك أو لهذا الشخص أو هذا ، تحت مدعاة ما يسمى بحرية التعبير ، ليس هذا فحسب ، بل أن حريتي تملي علي أن لا أكلم ولا أصل رحم أي قريب على غير خطي السياسي مهما كان ، وهذه ببساطة هي خلاصة ما تحمله "حرية تعبيرنا" نهايك عن ما تمليه على القاعدة الشعبوية من أوهام دعائية مشوهة بفعل الملابسات والمغلطات وعكس الأمور وقلبها لغايات سياسية ، وهو أمرٌ باتت المذاهب والتيارات السياسية والإعلامية المتصارعة تعرفه جيدا .

يقود هذا التقديم لواقع ملتبس  يفتقد رؤية واضحة للتاريخ والاجتماع المحلي وما يسخر به من قيم سياسية واجتماعية إلى فكرتيْ الاتصال والانفصال التي روج لهما المفكر المغربي عبد السلام بنعبد العالي ، ففي حين يعني الاتصال عنده إنطولوجيا التطابق والوحدة وتاريخيا التقليد والماضي الجاثم ، فإن فكرة الانفصال تحضر كقوة للتعدد في وجه التفرد ، وكمسعا لجعل الهوية الاجتماعية أكثر حركية ، فكيف ننتصل بالماضي الموريتاني الذي يميزنا عن غرينا ونصححه من كل الشوائب والآفات التي حرمت سلفنا على اختلاف ما ظهر فيهم من أنظمة وإمارات من التكامل؟.

وهو سؤال يمكن أن نقول أنه متأخر جدا عن زمنه ، حيث كان أولى بجيل التأسيس طرحه ومحاولة الايجابة عليه واقعا لكي يتأسس المجتمع بدولته الوحيدة التي أنشد أو التي لم يعبأ لها بما يَرْضي وبخيوط تصله بالماضي وآليات تمكنه من التحكم في الحاضر قصد التصحيح والتنقيح الثقافي والاجتماعي قبل كل شيء.

اعتقد أن الوضع سيظل خارج إطاره المنطقي وفكرة التشيء التي زاحمت العقول منذ تأسيس الدولة لا تزال حاضرة وستظل كذلك ما دمنا لم نرجع لذاوتنا وناقشناها عن هذه النقاط وعن التاريخ والتراث ، وعن الهوية وما يمكن أن نشيد من خلال كذلك ، أي أن نتحرك داخل سياقنا وبأفكارنا لا بأفكار غيرنا ، والآتي أهم بكثير من ما مضى ونحن مقبلون على مخرجات ثروة حقول الغاز ، ولا يمكن للطير أن يظل على غصن واحد وفي أرض واحدة وجوٍ واحد طوال الزمن بل لا بد له من تغيير وحركية وبحث عن الأفضل دوما .

22. يناير 2019 - 9:33

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا