يذكر ديفيد فورم، الكاتب السابق لخطابات الرئيس جورج بوش الابن، في كتابه «الرئيس المناسب» (The Right Man)، أن هذا الأخير حضر حفل عشاء في البيت الأبيض أقامه والداه على شرف ملكة بريطانيا عام 1991، لكن أم الرئيس، باربرا بوش وهي أعلم به، حذرته من أن ينبس ببنت شفة بحضرة الملكة، مخافة أن يتفوه بكلام غير لائق. فما كان من الملكة إلا أن التفتت إليه وبادرته: «هل أنت الخروف الأسود في العائلة (عبارة تعني المنبوذ والمهمش)؟ فأجابها: نعم.
وأضاف: ومن كان الخروف الأسود في عائلتكم؟ فقفزت أمه غضبى، وطلبت من الملكة أن تتجاهل سؤاله.
لكن هذا «الخروف الأسود» تسلق إلى السلطة، وأصبح واحداً من أكثر رؤساء أميركا إثارة في التاريخ. والسؤال الملح اليوم في أميركا هو: كيف سيذكر التاريخ هذا الرجل؟ وهل هو «أسوأ رئيس» في تاريخ أميركا؟ أو بعبارة ملكة بريطانيا: هل هو «الخروف الأسود» بين رؤساء الولايات المتحدة؟
يبدو أن بعض المؤرخين والمهتمين الأميركيين بدؤوا الإعداد لحكم قاس على الرجل.
فقد كتب ريتشارد كوهين في صحيفة «واشنطن بوست» (30 أكتوبر 2007) يقول: «عندما تمعن النظر في ميراث بوش، تجد أننا بدأنا حربين في عهده ولم ننههما حتى اللحظة، وأن بن لادن لا زال يمرح طليقاً، وأن سمعة أميركا في الحضيض، إضافة إلى كون قواتنا المسلحة مفككة، ومعظم شعبنا يعتقد أن حكومته تكذب.. وبناء على هذه النتائج، فإن على موسوعة غنيس أن تفتح لها فصلاً خاصاً بالرئيس بوش».
كما أن استطلاعات الرأي التي تفاضل بين رؤساء أميركا تجمع في معظمها على أن بوش يحتل ذيل القائمة إلى جانب ريتشارد نيكسون وهربرت هوفر (حسب استطلاع شبكة «سي. إن. إن» أواسط 2007).
وإذا كان الرئيس الأميركي السابق روزفلت يرتبط تاريخياً بالحرب العالمية الثانية ونجاحاته فيها، وينظر له الأميركيون نظرة إكبار، فإن رئيسهم ليندون جونسون يرتبط بحرب فيتنام، تلك الحرب التي لم توفق فيها أميركا كل التوفيق، ولذلك فهم يمقتونه ويضعونه في ذيل قائمة رؤسائهم، مما يعني أن بوش لن يكون موفور الحظ أيضا.
فقد قالت صحيفة «يو أس تودي»: «إن التاريخ سيربط الرئيس بوش بذلك القرار الذي اتخذه يوم 19 أبريل 2003، وهو غزو العراق»، ولا شك أن غزو العراق لم يكتب له من النجاح ما كان المخططون له يترقبون منه.
لقد وصل الرئيس بوش إلى السلطة مع مطلع الألفية الثالثة دون مشروع متميز، ووجد أمامه دولة في عز قوتها وكبريائها، ولا ندري كيف كانت ستكون رئاسته لو لم تحدث ضربات 11 سبتمبر، إلا أن التاريخ الحقيقي لميلاد رئاسة الرجل بدأ بعد ذلك الحادث المثير.
فقد تحولت أميركا مباشرة من دولة قوية متماسكة، إلى إمبراطورية طموحة تعاني من أمراض الإمبراطوريات.
إذ بدأت تجيش الجيوش، وتغزو الدول، كما بدأ احتكاك ثقافي كان الرجل رأس الحربة فيه، وأعاد إلى الساحة الدولية قضية «الشرق» و «الغرب» في ثوب ديني كاد يختفي في مضمار حرب الأيديولوجيات بين المعسكرين الشرقي والغربي.
شن بوش إبان ولايته حربين ضاريتين، ويبدو من نتائجهما حتى الساعة أن قومه لن يمجدوه بسببهما، وأن التاريخ لن يرحمه أيضاً. فهو لم يحصل على هيبة القوة لأنه لم ينتصر، ولا على ألق الحق لأن حربه لم تكن عادلة.
فهل سيعتبره بنو جلدته «الخروف الأسود» بين رؤسائهم، بعدما اعتبرته كذلك من حملته كرها ووضعته كرها؟