يقول البعض إن أفضل طريقة لإيصال المعلومة إلى المتلقي هي أن نقدمها له محللة إلى عناصرها الأساسية أولا ، ثم بعد ذلك في صورتها المدمجة بتعبير مقاربة الكفايات، أو المركبة بتعبير آخر، فذلك من شأنه أن يساعد على حسن الفهم وتمام الإدراك ،
و بما ان المعلومة و التعليم ينتميان لحقل دلالي واحد ، و فهم الثاني غدا أكثر إلحاحا من مجرد تقديم الاولى فإنني اجد في هذا السياق الباب واسعا للحديث او التحدث في شأن وطني هو المفتاح الاصلي لمزلاج التنمية المستدامة التي هي اشمل من مجرد النمو،
ففي بلدي أضحى الحديث عن التعليم و مشكلة التعليم و رهانات التعليم، مواضيع في مجملها هي الشغل الشاغل؛ و وصلت اختلالات التعليم عندنا درجة من التعقيد وربما الإلحاح جعلت البعض منا من غير المختصينيحارفي حل تلك الاختلالات مما يعني تخطى مختلف العراقيل و تجاوز مجمل التعثرات التي لم يعد تشخيصها حصرا على رجالات التعليم بل الكل يشخص و يحكم إذ ظاهرة الضعف بالمنظومة اضحى جليا ، مزمنا ،
عقدت أيام تشاورية حول التربية والتكوين ، وأصدرت تقييمات لمنظومتنا التربوية كان التشخيص فيها مخيفا ، حيث الهدر المدرسي على أشده ( نسبة 2 تلميذ من 5 ) هم الذين يكملون السلك الأول من التعليم ، ينضاف إلى ذلك ضعف نسبة النجاح في الامتحانات الوطنية ؛ وهو ما ساهمبدوره في رواج المدارس الخصوصية و سرعة انتشارها، رغم افتقار أغلبها إلى الحد الأدنى من المعايير التربوية المطلوبة ينضاف إلى ذلك أنها مؤسسات تعليمية تهتم فقط بنسب النجاح والتفوق دون الاهتمام بالتربية بمفهومها الحقيقي ، فالتلميذ فيها يخضع لسلسلة من التدريبات تستهدف بالأساس الطريقة التي تمكنه من أن يدون الجواب عن أسئلة ضمن قوالب لا تختلف شكلا و مضمونها عن أسئلة الامتحانات الوطنية في مختلف مستوياتها؛أما التربية فانى لنا الحديث عنها في سياق يكرس مبدأ الفصل بين اطفال امة واحدة،شخصياتهم ما تزال في طور التشكل،
حال التعليم العمومي ليس بأحسن كثيرا من نظيره الخصوصي ، فكلا الحالين جعل البعض يجزم بأن تعليمنا أصبح شبيها إلى حد كبير بكرة اليد ، تلك اللعبة التي لا يكسب الرهان فيها إلا من يتقن المراوغة و يتمتع بلياقة بدنية عالية ،
فإن كان قدر تعليمنا ان يظل لعبة ، فلماذا لا نطمح على الاقل إلى تطويره ليصبحلعبةتعليمية حسمت جدلية الهزل و الجد معا لصالح التعلم ؟
لماذا لا نريد للعبتنا هذه أن تكون صلبة في تركيبها و تماسكها حتى تصبح كرة اليد لا يستحق تداولها إلا الذين منا يبرعون في اللهو و اللعب؟،
إن اللعب بالتعليم ليس أسهل و لا أمتع من إصلاحه، لكن شرط أن يتم هذا الاصلاح وفق رؤية فاحصة مستنيرة، مدركة للتحديات والمشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم الأساسي، قادرة على استغلال الموارد البشرية للقطاع قبل الموارد المادية ، وليس الاصلاح بتبني هيكلة تعدمسبقا على مقاس الآخرين.
إن الإصلاح المنشود يتطلب من صاحب القرار ان يتعامل مع القطاع في هيئته المركبة بدلا من الاعتماد على بعض مكوناته دون نظيراتها الأخرى ،لئلا ينطبق علينا حالالحاسوب الذي يتركه مهندس الصيانة مفككا ، رغم أن الأجزاء كل على حدة صالح للقيام بوظيفته؛ فالعبر ة بوظيفةالأجزاء مجتمعة لا بأداءالبعض منها منفردا ؛ هذا على مستوى القيادة أما في ميدان التعليم والتعلم فإنه حري بنا أن نجعل المؤسسة التعليمية قادرة على القيام بمسؤوليتها على الوجه الاكمل الذي يمثل غايات المجتمع و أهداف المنظومة التعليمية وهذا ما يقودنا للحديث عن المدرسة و دورها المنوط بها انطلاقا من سياقنا الوطني،
إن دور المدرسة بصفة عامة وفي بلادنا خاصة ينحصر في مهام ثلاث هي: التربية،التعليم،التأهيل،لكن هذه المؤسسة في الواقع تخلت عن المهمة الاولى و الثالثة و قدمت الثانية عرجاء مشوهة، والمؤشرات التي تدل على ذلك مبثوثة في التقارير و الدراسات البحثية ،معلومة بالفعل و القوة معا من لدن أغلب المهتمين بالشأن التربوي الوطني،
وكم كان صانع القرار على وعي تام بان تقدم واستقرار و أمن البلد منوط بتأدية المدرسة لمهامها مجتمعة إسهاما في عملية إصلاح شامل للتعليم، ذلك ما عبر عنه فخامة رئيس الجمهورية السيد: محمد ولد عبد العزيز في مختلف المناسبات و لعل آخر تعبير عنها كان في كلمته التي القاها في مسيرة الوحدة الوطنية يوم التاسع من الشهر الجاري، كما أعلن فخامته 2015 سنة للتعليم،و ربما لا يكون من الصدفة أن يكون شارع الوحدة الوطنية عن يمين وزارة التهذيب الوطني ، فذلك جوار له أكثر من دلالة ،إذ الوحدة تبنى في العقول بالتهذيب و التعليم أولا قبل أن تتحول في مرحلة ثانية إلى سلوك ومواقف يتحلى بها الجميع في كل الفضاءات الزمانية و المكانية ،
"إن الوحدة الوطنية قيمة نبيلة لا سبيل لتحقيقها و ترسيخها إلا بتعليم ناجع"،
إن فرصة الإصلاح اليوم تبدو ممكنة أكثر من أي و قت مضى وذلك لاعتبارات منها:
1ـ توفر الإرادة الصريحة ، الجادة في الإصلاح من لدن أعلى سلطة بالبلد : فخامة رئيس الجمهورية
2ـ تولي قيادة القطاع من طرف شخصية هي في الاصل صاحبة مشروع وطني يسعى لتحقيق الوحدة و تعزيز الديمقراطية باعتبارهما وسائل لا يتحقق التقدم الا بها ، و دون شك فإن معالي الوزيرة على وعي تام بأن أدوات مشروعها الوطني لن تكتب لها النجاعة ما لم تؤسس على تعليم نوعي يستجيب لطموح الأمة الموريتانية،
3ـ وجود كفاءات عالية و خبرات فنية فعالة بمختلف مفاصل القطاع و باستغلال تلك الموارد البشرية يمكن للقطاع أن يحقق نتائج ملموسة على طريق الاصلاح و التطوير
هو إذن سياق مناسب لأن نصحح مسارات التعليم و التعلم تتفاعل فيه الإرادة الجادة من صناع القرار و أفكار اصحاب الخبرة مما يحقق فضاء تعليميا يجسد بحق ملامح المدرسة الجمهورية,