كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، يقف أمام عدسات التلفزيون ويلمح إلى أنه يملك أسلحة نووية، كما كان يتباهى بقوة الجيش العراقي الذي لا يهزم. وقبل يومين، وقف جاره المُصاقِب محمود أحمدي نجاد، ليقول أمام العدسات التلفزيونية: «إن الجيش الإيراني هو أقوى جيش في العالم». لكن الحقيقة المرة تقول إن كلا الزعيمين قد تنكّب جادة الصواب. فلا العراق يملك «أسلحة نووية»، ولا جمهورية إيران تملك أقوى جيش في العالم.
أما إسرائيل، فتمتلك، في عالم الحقيقة لا في عالم الخيال، قوة نووية ضاربة، لكنها رغم ذلك تُطل على العالم -وبراءة الأطفال في عينيها- لتقول إنها دُويْلة مسالمة ضعيفة تتربص بها الجيوش القوية الدوائر، وإنها تحتاج إلى الحماية حتى لا تُلتهم بين عشية وضحاها. وبين هاتيْن السياستين يكمن الفرق بين فن صناعة الأعداء وصناعة الأصدقاء.
إن إسرائيل دولة نووية، وتعتبر من أكفأ الدول في مجال صناعة الأسلحة (حسب آخر دراسات لمعهد سيبري (Sipri) السويدي، ومع ذلك لم يصرح أي من مسؤوليها بطريقة واضحة -حسب علمي- بأنها أقوى دولة في العالم، ولا حتى بأنها تمتلك أسلحة نووية. أما العراق وإيران، اللذان لا يجد سكانهما ما يكفي من أرغفة الخبز، فيتبجح قادتهما بأنهما يمتلكان أقوى الجيوش في العالم.
من الغريب أن يكون الرئيس الإيراني يسلك نفس الشِّعب الذي سلكه صدام حسين. فهذه التصريحات النارية الجوفاء أضرّت العراق وخدمت أعداءه وأخرست أصدقاءه، بل زودت أعداءه بأسلحة وظَّفوها ضد العراق بنجاح. ويبدو للأسف أن إيران منساقة إلى الاتجاه نفسه.
ففي الوقت الذي يتداعى فيه منظرو التوسع الإمبراطوري الأميركي ويدعون إلى غزو إيران بوصفها قوة جبارة قد تلتهم إسرائيل في هنيهات، يخرج الرئيس الإيراني على العالم ليؤكد تلك النظرية، ويقول «إن إسرائيل ستزول من الوجود»، ثم يقف بعد ذلك ويصرح بأنه «يمتلك أقوى قوة على ظهر البسيطة».
إن نجاد بهذه التصريحات يُسلح أعداءه ضد بلده بنفس الطريقة التي فعل الرئيس العراقي. بعد هذه التصريحات، كيف يمكن لأي مدافع محايد أن يدافع عن إيران بعد أن صرح الرجل الأول فيها بأنها أقوى قوة على ظهر البسيطة؟
الحقيقة المرّة أن هذا النوع من القادة يحسن فن إطلاق البالونات الفارغة في الهواء، لكنه لا يعرف أن عدوه يمكن أن يستخدم هذه البالونات ضده بتحويلها إلى أسلحة دمار شامل من الدعاية الإعلامية، وزخرف القول الخطر يرتد إلى قائله لا غير.
لقد شرب الشعب العراقي الصَّابَ والعلقم نتيجة تبجح زعيمه بقوة خيالية، وأخشى ما أخشاه أن يمر الشعب الإيراني بالتجربة نفسها إذا ما ظل أحمدي نجاد يطلق بالوناته الفارغة في الهواء لتنفجر لاحقا في طهران وغيرها من المدن الإيرانية.
إن ما تحتاجه إيران اليوم هو قائد يحسن فن البناء الداخلي الصامت -على جميع المستويات- كما يتقن فن الدبلوماسية الخارجية. قائد يستطيع كسب أصدقاء جدد في العالم من دون أن يتنازل عن مبادئه. قائد يطلق بالونات القوة الداخلية في صمت، ويحتفظ بالخطابات الرنانة المؤلبة إلى حينها. فهل سنشاهد نموذج العراق يتكرر في إيران شبرا بشبر وذراعا بذراع؟ ذلك ما لا نتمناه.