تعليمنا إلى أين ؟ / محمد طالب محمد المختار ناجم

طالعت في الأيام الماضية على صفحة موقعكم الموقر مقالا بهذا العنوان حاول كاتبه أن يعطي تصورا وشبه تحليل لوضعية تعليمنا الراهنة، لكن الفكرة الرئيسة للمقال طغت عليها مواضيع الساعة حينها كمسيرة الوحدة وما تطلب تمجيدها من مركب سهل  تمثل في القيام بالواجب الأخلاقي مع المعارضة بكشف خبايا مكوناتها، وصعب تمثل في العنترية والتأسيس لقاعدة تقول (...لكننا استثناء من كل ذلك ولا نريد دروسا من هذا ولا ذاك)...!

وكما يقول المثل العربي القديم "بين مانه وهانه ضاعت لحيتي" فقد ضاع موضوع التعليم في المقال  المذكور وغاب تشخيص واقعه وتحليل مشاكله إذا استثنينا الإجابة على بعض التساؤلات التي تبقى – على فائدتها- غير نوعية بالمرة إذا ما تعلق الأمر بالتعليم والقائمين عليه لأن مثلها من الأبجديات تستهلك من عمر الممتهنين للتعليم عدة سنوات في مدارس التكوين المهني، لذا فهي تساؤلات أراها أخطأت هدفها في اكتشاف مكمن الداء في جسد تعليمنا تماما كما أخطأه القائد الملهم المنصرف مشكورا في أمان الله وحفظه...!

لست هنا في وارد الرد على الدكتور المتخصص في إصلاح التعليم ولا بصدد التدخل في قناعاته المحترمة بقدر ما سأحاول تقديم رؤيتي المتواضعة وأنا ألبي دعوته الكريمة الموجهة لمهندسي العملية التربوية الذين طالبهم بمتابعة النسق المعماري حتى يتم البناء ويكتمل على أحسن وجه ، وذلك طبعا طبقا لتوجيهات السيد رئيس الجمهورية في خطبته (أقصد خطابه) يوم المسيرة (المجيدة) الذي كان محل تصفيق كل الحاضرين، وتوجيهاته التي أثرت حتى في الجماد فهوت المنصة (هابطة) أثنائها ولو صمدت إلى آخر الخطاب وسمعت التعليم التعليم التعليم لذابت في حضرات التجلي وكانت بمن عليها نسيا منسيا أو قاعا صفصفا لا يرى منها عوجا ولا أمتا ...!

 *  *  * *  *  * * 

بلغة السياسة: لا أجد غضاضة في تقديم الشكر مع "جان بيير كوك" لأي سياسي وجه لإعطاء أولوية للتعليم أو الصحة أو غيرهما من القطاعات الحيوية لأنه كسياسي لا يملك إلا سلطة التوجيه، لكني قد لا أكتفي متحمسا بمثل ذلك التوجيه (اليابس) إذا تعلق الأمر برئيس يخوله الدستور في مادته الـ (24) ضمانة الدستور وتجسيد الدولة ويحكمه في التسيير المضطرد والمنتظم للسلطات العمومية، وتخوله المادة (25) ممارسة السلطة التنفيذية وترأس مجلس الوزراء ... رئيس بهذه الصلاحيات ربما يكون من تقزيم دوره اختزاله في مجرد التوجيه، ورئيس بهذه الصلاحيات قد لا يبدو مقنعا حين يعلن عن دعم التعليم بمجرد خطاب وعن دعم الوحدة الوطنية بمسيرة وتغيير اسم شارع ...!

*  *  * *  *  * * 

بلغة المعماريين: لعله ليس ذكيا بالمرة مهندس انتدب لإنقاذ هيكل بنيان آيل للسقوط متهالك الأساس والجدران حين يهدر الوقت والجهد والمال في تحسين السقوف وزيادتها طولا وثقلا بعد طلي الأساس والجدران ببدرة صباغة رديئة ومغشوشة لعلاج الوهن والضعف القديمين ... و لك أن تستغرب حين يرغم هذا المهندس بقوة إقناعه أو تخويفه أو تنويمه عمال وساكنة هذا الهيكل العارفين بوهنه وتآكله فتستمر بالعيش فيه غير عابئة بخطورة الوضع على هيكل تأكل رغيف يومها من تسيير شؤونه، وستستغرب أكثر حين ترى تفنن هذه الساكنة الغريبة في تسمية إبداعات مهندسها كليات متخصصة والصباغة المغشوشة مدارس امتياز ...!

*  *  * *  *  * * 

بلغة الرياضة: عند تقويم  أداء مدرب فريق كرة قدم أخذ كل وقته كاملا وحريته وصلاحياته في إدارة شوطين متتاليين دون تقديم أي نصر لنجده في الوقت بدل الضائع لا يعد جمهوره بتقليص الخسارة ولا حتى بتحقيق التعادل بل بالنصر على العنيد المتقدم، فإننا قد لا نتصور ردة فعل المشجعين خارج إطار التشنج والهتاف برحيل المدرب إذا تجاوزنا ردة فعل المشاغبين الذين ربما أمطروا ساحة الملعب بما تيسر من حجارة وزجاجات حارقة وإذا تجاوزنا أيضا ردة فعل المهووسين بهذا المدرب نجح أو فشل لأن الهوس والعشق قد لا يبحثان دائما عن مقنع من الأسباب ...!

*  *  * *  *  * * 

بلغة فنيي التعليم ومهندسيه: مشكلة التعليم تكمن في عدم توفير الإمكانيات الضرورية وانعدام الإرادة السياسية نقطة على السطر.

لماذا يمنع الرسوب بقرار ليس تربويا بالمطلق من السنة الأولى وحتى السنة الرابعة من التعليم الأساس ... أليس نتيجة النقص الحاد في البنية التربوية وأعداد المدرسين، رغم التبريرات السياسية المتعددة ؟!

لماذا يمنع أبناؤنا حقهم المشروع في الدراسة ترشحا للباكولوريا وتسجيلا في الجامعة، أليس لعجز غير معلن عن استيعاب هذا الكم من الناجحين المتواضع سنويا ، نتيجة تراكم العجز عن توفير جامعات وأساتذة؟!

لماذا التعاقد السنوي لسد النقص الحاد مع عقدويين غير مكونين ... أليس عجزا عن الاكتتاب خارج شروط البنك الدولي ... لماذا ...لماذا ... ؟!

*  *  * *  *  * * 

بلغة الواقع وواجب البكاء الوطني على واقع التعليم المأساوي:

في مدرسة أساسية للتعليم يستدعي المدير وكلاء التلاميذ (500 وكيل) عند كل امتحان لتوفير مبلغ زهيد (50) أوقية قديمة مصاريفا لكشف الدرجات، بعض الوكلاء لا يعلم أن ميزانية تسيير هذه المدرسة فصليا لا تتجاوز 40 ألف أوقية قديمة...!

مدرس يسكن في عرفات ويدرس في دار النعيم يتقاضى راتبا شهريا لا يتجاوز (...) يتغيب نصف يوم أسبوعي عن دوامه الرسمي لتقبل مدرسة حرة إعطائه جدولا، المدير والمفتش بصعوبة يتقبلان الأمر، فقط لأنهما يعلمان علم يقين أن هذا الجدول الأخير هو الذي يوفر تكاليف نقل الجدول الرسمي...!

مدرسون في الميدان مغتاظون من زيارتي المفتش السنوية (عند الافتتاح وعند الإغلاق) ويطالبون بحقهم المشروع في التأطير الدائم والمتابعة الميدانية ومقاسمة بلاوي التلاميذ اليومية، لا يعرفون أن زملائهم مفتشو القطاعات والمفتشون المكلفون بالتأطير يتبعون لإدارة جهوية على مستوى الولاية لا تمتلك إلا سيارة واحدة واثنتين في حال الوفرة ...!

مدير جهوي أو مفتش قطاع حالم بإصلاح التعليم يعكف طيلة أسبوع عمل متواصل رفقة فنييه لترقيع خريطته المدرسية بما يناسبها تربويا من تحويلات، ترفع المذكرة إلى الوالي للتوقيع، الوالي بسلطته الأمنية يقلب المذكرة رأسا على عقب... وزارة الداخلية تمثل الرئيس والرئيس هو مهندس التعليم الأول وعلى بقية المهندسين تطبيق الأوامر... أكثر أخطاء التعليم القاتلة يرتكبها الرئيس والوالي والحاكم بتوقيع ميداني من وزير التعليم والمدير الجهوي للتعليم ومفتشو التعليم...!

*  *  * *  *  * * 

وأخيرا بلغة المنجمين: سألت شيخ (سوسيم) المنجم وهو للأمانة مدرس متقاعد ومعارض للهندسة العسكرية، عن معنى دلالات تكرار كلمة التعليم في خطاب مسيرة الوحدة التاريخي فأجاب من غير تفكير :

تعني الأولى إغلاق جامعة ابن ياسين

وتعني الثانية إغلاق مركز تكوين العلماء

وتعني الثالثة مباشرة إغلاق مدارس التعليم الخاص غير الفرنسية والتركية

ملاحظة : كذب المنجمون ولو صدقوا...!

كامـل الـود

   

30. يناير 2019 - 23:50

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا